أربعة آلاف عام خط دفاع أول

"حصن بابليون".. ابراج دائرية رومانية في قلب القاهرة

منذ ما يقرب من عشرون قرنًا مضت، وتحديدًا في منتصف القرن الثاني الميلاد، أمر الإمبراطور الروماني تراجان ببناء قلعة حصينة لتأمين الحماية العسكرية الرومانية، ويشكل خط الدفاع الأول من جهة بوابة مصر الشرقية، لذا تم اختيار موقعه المتوسط لمصر، بحيث يربط الجهة القبلية مع الجهة البحرية لها، مما يُسّهل من سيطرة الرومان على إخماد أية ثورات ضدهم من الجنوب أو الشمال، كما أنه شكل بتكوينه حصناً منيعاً بوجه الأعداء، وبُرجاً لمراقبة أي هجوم.

 

يعتقد البعض أن بناء حصن بابليون يعود إلي حقبة تاريخية اقدم بأكثر من تسعة عشرة قرنًا سبقة، وأنه يعود إلي عهد الملك سنوسرت الثالث، أحد ملوك الاسرة الثانية عشر، والذي حكم خلال الفترة من 1878 الي 1839 قبل الميلاد، فبعد هزيمته لممالك السلالة البابلية الأولي قام بآسر الكثير منهم وجاء بهم إلي مصر بهدف استعبادهم، لكنهم تمردوا وقاموا ببناء حصن منيع للدفاع عن أنفسهم في المنطقة التي كانوا يُقيمون بها، ومنذ ذلك الحين سُميت ببابل، وليس أمامنا عن هذه الحملة إلا وثيقة واحدة وهي لوحة "خوسبك" التي عثر عليها في العرابة المدفونة في أبيدوس.

أما عن تسمية الحصن بإسم بابليون، فيعتقد المؤرخون أن الإسم يعود إلي إحدي البلدان المجاورة له، وتحديدًا منطقة هليوبوليس والتي كانت مركزًا لعبادة آله النيل "حابي"، لذا أطلق عليها "بيت النيل هيليوبوليس"، ولأنهم تعودوا اشعال الشموع في أحد أبراجه مطلع كل شهر أطلقوا علية "قصر الشمع"، كانت تلك العادة دلالة علي انتقال الشمس من برج إلى أخر.

تصل مساحة الكلية للحصن إلي ما يقرب من النصف كيلو متر، وإن كان مساحة الحصن الذي بناه تراجان يقترب من الستون فدانًا، أي حوالي 252 ألف متر مربع، تم بنائه بأحجار تم الاستيلاء عليها من المعابد المصرية القديمة القريبة منه، وعندما لم يجدوا أحجار تكفي اضطروا لاستكمالة بالطوب الأحمر الصغير، واليوم لم يتبقي من الحصن القديم سوي الباب القبلي، والذي يضم برجان كبيران، حيث بُني فوق برج الجزء القبلي من الكنيسة المعلقة، وبُني على البرج الثاني مدخل المتحف القبلي، وهو كنيسة مار جرجس للروم الأرثوذكس الملكيين.

طيلة قرون طويلة لعب حصن بابليون المنيع دورًا استراتيجيًا للدفاع عن مصر، فقد شكل بمساحته الممتدة من منطقة عين شمس الحالية وحتى قصر الشمع، خاصة بعد أن ضمت تلك المساحة الواسعة عدداً من القرى الصغيرة والكنائس والأديرة، والتي اُطلق عليها معاً اسم "مصر"، والذي يعتبر لفظاً آرامياً يعني الحدود، وكان يُطلق على أراضي مصر "شمس أو كيم" وتعني التربة الحمراء.

حتي جاء عمرو بن العاص إلي مصر في 641 ميلادية، تحصن الجيش الروماني داخل بابليون طيلة سبعة أشهر كاملة، فهو أحصَن ما لديهم، خاصة بعد أن قاموا بتحصينه بخندق مائي من كل الجهات، ونثروا قطع الحديد أمام الأبواب، حتي وصل الزبير بن العوام، وأخذ بالطوفان على ظهر حصانه حول الحصن حتى رأى خللاً في سوره، ثم نصب سلماً على السور، وأمر المسلمين بإجابته إذا سمعوا تكبيراً، ثم صعد إلى أعلى سور الحصن إلى جانب محمد بن مسلمة الأنصاري، ومالك بن أبي سلسلة، وآخرين، وبدأ الزبير بن العوام بالتكبير والمسلمون يرددون من خلفه، فظن الروم أن المسلمين استولوا على الحصن فهربوا منه، ففتح الزبير باب الحصن ودخله العرب المسلمون.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية