لا يظهر ماؤها إلا لمن يطلبه

"عين السرو".. المياه المسحورة في قلب الصحراء البيضاء

"يا مية أطلعي شوية.. تطولك إيديا.. دلوقتي بقى أغسل غسيلي.. ولا فيش مثيلي.. ناس بتغسل تغسل ثيابها.. وناس بتغسل تغسل قلوبها".. هكذا رددت الفنانة "زوزو نبيل" في أحد مشاهد حكايات "ألف ليلة وليلة"، كانت تجلس علي حافة نبع مياة نقية، لا ترتفع إلا إذا نادتها تلك العجوز لتغسل ثيابها، تلك الحكايات التي كنا نستمتع بمشاهدتها في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كنا نصف ذلك البئر بالبئر المسحور، لم نكن ندرك إننا وبعد ما يقرب من اربعة عقود سنري بأعيننا تلك الظاهرة الفريدة في قلب الصحراء الغربية في مصر.

 

ذلك المشهد الذي اعتبرناه يومًا ضربًا من الخيال، ما هو إلا واقع يوجد علي أراضينا الغربية، ما جعله أحد العجائب الطبيعية في قلب الصحراء، فتلك العين أو البئر السحرية، والذي يطلق علية البعض، "عين السرو"، ليست مجرد بئر للمياه الجوفية بها مياة عزبة، تقع على بعد حوالي 45 كيلومتر شمال مدينة الفرافرة، بمحمية الصحراء البيضاء، محافظة الوادي الجديد، فرغم أن مياهها لا تنضب، إلا إنها تبدو جافة طوال الوقت، فمياهها العذبة لا ترتفع إلا عندما يقترب أي كائن حي منها، حتى لو كان طائرًا صغيرًا، وكأنها تعلم بأن ذلك الكائن الذي يقترب منها يرغب في شربة ماء، فتبدأ المياه تدريجيا بالإرتفاع حتى تمتلئ عين السرو بأكملها، وبمجرد أن يرحل عنها زائرها تعود المياه إلى جوف الأرض حتى تجف تماما، وكأنها عين جافة.

ذلك السحر العجيب الذي تتمتع به عين السرو، لا يتوفر في أي عين غيرها، فكل العيون الجوفية التي توجد في العالم أجمع تستمر في ضخ الماء بشكل مستمر حتى تجف، أما عين السرو فكأنها تشعر بزوارها، فتقدم لهم الماء ترحيبا بهم، أيا كان زائرها بشرا أو حيوانا أو طيرا أو حتى من الحشرات الضئيلة.

يري الكثير من الجيولوجيين والمتخصصين في مجال المياه الجوفية، أن خلف ذلك السحر سببا علميا، أهمها أن الأرض المحيطة بالعين قد تتمتع بطبيعة خاصة تجعلها أشبه بالإسفنج، وهذا ما يجعلها تفرز الماء المخزون بباطن الأرض، كلما اقترب منها أحد وضغط بخطوات اقدامه على الأرض الإسفنجية، غير أن هذا التفسير قد يصلح للكائنات الثقيلة الوزن كالإنسان والحيوان، لكنه لا يفسر خروج الماء للطيور والحشرات الضئيلة.

تلك الطبيعة السحرية جعلت عين السرو من أشهر المزارات السياحية في مصر، فلا يمكن أن يعود زوار الصحراء الغربية دون المرور على تلك العجيبة التي لا يوجد لها مثيل في العالم، خاصة وأن المنطقة تحتوي على الكثير من الأثار القديمة التي تعود إلى العصر الروماني، وإن كانت مازالت مغطاة تحت الرمال، منها المنازل والأواني الفخارية، هذا وبالإضافة للأحجار الجيرية والصخور والجبال الكريستالية بألوانها الرائعة والمنحوتة بفعل الطبيعة.

المراجع :

 

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية