المصريين القدماء ملوك جراحات التجميل

لم تعد تفاجئنا حضارتهم، لم تعد تبهرنا أفكارهم، فقد اعتدنا اكتشاف كل ما هو جديد كل يوم، منذ عامين تأكد الفريق العلمي المصري لدراسة المومياوات الملكية، من أن الفراعنة لم يتقدموا فقط في علوم الطب والتشريح ولكن وصلوا إلى مراحل خطيرة من التقدم العلمي في أفرع الأجهزة التعويضية، وكذلك في طب التجميل وإصلاح التشوهات.

 

أعتقد أن قضية تقدم الفراعنة في عالم جراحات التجميل لاتزال في حاجة ماسة إلى دراسات أخرى متخصصة، لكي تحدد لنا طبيعة ما كان يتم إجراؤه في الحياة وما كان يقوم به المحنط وقت إعداد جسد المتوفى للتحنيط، فقد كان الكشف عن أطراف صناعية وأعضاء صناعية دقيقة الصنع وتلائم النسب التشريحية للعضو الحقيقي كشفًا مذهلًا، حيث استطاع الفراعنة تعويض الشخص الذي أجريت له عمليات بتر بأطراف صناعية من الخشب والجلد تساعد على الحركة واتزان الجسم عند المشي بصورة كبيرة، وذلك حتى يمارس الإنسان حياته بشكل طبيعي.

 

واليوم وقد أسعدنا الحظ بامتلاكنا أحد الأجهزة المتقدمة في عالم الأشعة المقطعية، علي الأخص جهاز "Ct Scan"، والتي تمكنت من أخذ آلاف الصور المقطعية لكل جزء من المومياء، وون أن يضطر أي من أعضاء الفريق إلى لمسها أو فك لفائفها، فعلى سبيل المثال تم إجراء فحص شامل لمومياء الفرعون الذهبي ثلاث مرات منذ اكتشافها في نوفمبر 1922، على يد هيوارد كارتر، وذلك باستخدام أشعة إكس.

 

رغم تلك التكنولوجيا المبهرة، لم يكتشف أحد أن هناك عمليات تجميل أجريت على وجه الملك توت عنخ أمون، لكي يظهر في أحسن صورة بالعالم الآخر، فتم حشو أجزاء من الوجه ببعض المواد الراتنجية التي وضعت تحت الجلد، لكي تعطي المظهر الطبيعي للوجه، والغريب أن هذه العمليات تمت على يد جراحين مهرة، وباستخدام ما يشبه الحقن أسفل الجلد كما، وهو متبع الآن في عمليات التجميل، ولا يمكن أن ترى جروحًا أو ثقوبًا في الوجه توحي بوجود عملية حقن أسفل الجلد منذ 3500 سنة.

 

لم تكن مومياء الملك توت عنخ آمون فقط هي التي أكدت وجود مثل هذه الجراحات التجميلية، بل تم الكشف عنها أيضًا في مومياء يويا، حيث تم الكشف عن حقن تحت الجلد، ولم تقتصر عمليات التجميل عند الفراعنة عند هذا الحد، بل إن الأدلة الأثرية تؤكد أن الفراعنة قاموا بعمليات تجميل وحقن لكف اليدين والذراعين والقدمين، كان الهدف دائمًا الحفاظ على المظهر الحيوي للجسد، كما قاموا أيضًا بعمليات تجميل للأنف، والأعين وحتى الجفون، كان يتم التعامل معها بحرص ومهارة فائقة.

 

من أعجب الاكتشافات التي رصدها خبراء علم الأثار، أن المحنطين الفراعنة قاموا بحشو البلعوم في بعض المومياوات بالشكل الذي يحافظ على حيوية مظهر الرقبة، والدليل على ذلك مومياء يويا، والتي كشفت لنا الأشعة المقطعية، وجود عدد من الحشوات الكتانية المغموسة بالزيوت الراتنجية بالبلعوم.

 

توالت بعد ذلك الاكتشافات الأثرية التي تتم باستخدام التكنولوجيا الحديثة، والتي يتم توظيفها بشكل مناسب، يراعي مشكلات التعامل مع الأثر، وثبت بالدليل القاطع أن بمصر متخصصين على مستوى راق من العلم والمهنية لا يقل عن الأجنبي، بل يزيد، وأذكر هنا الدكتورة سحر سليم التي قامت بعمل دراسات ممتازة على المومياوات، واستطاعت أن تقدم لنا الكثير من المعلومات التي يكشف عنها للمرة الأولى، أعتقد أن ما توصلنا إليه من معلومات عن عمليات التجمي، والتي كانت تُجرى للمومياوات ستقودنا إلى مجال أوسع يتم فيه معرفة أسرار الجمال الفرعوني، وما إذا كان الأحياء من المصريين القدماء قد عرفوا طريق جراح التجميل أم لا.

 

 

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية



إقراء ايضا