46 عام من الشغف

القاهرة تواريخ مدينة: في عشق المحروسة (1)

يعود شغفي بالقاهرة إلي عام 1973، عندما كنت طالبًا أدرس الهندسة المعمارية في جامعة القاهرة، فقد سحرتني منذ أول مرة شاهدت فيها آثارها الإسلامية، ومنذ ذلك الحين، استمرت تُحيطني بسحرها، ولكن بدأت "قصة الحب" هذه تفتر شيئًا فشيئًا عندما بدأ انبهاري بالمدينة ينزوي بتأثير المعضلات التي تعيشها، وقد استغرق الأمر بعض الوقت لتتطور "قصة الحب" إلي هذه النظرة الانتقادية، وكنت لا أزال واقعًا تحت سحر المدينة عندما قُمت بتأليف كتابي الأول: شوارع القاهرة الإسلامية، في عام 1981، ولكن بحلول عام 1991، ومع نشر كتابي "مدن وخلفاء"، والذي قدم القاهرة الفاطمية كمجمع ملكي استعماري، كانت نهاية قصة الحب والتعلق الأعمي بالمدينة.

 

وقد قضيت عدة سنوات في حقية التسعينيات وأنا أقوم عندئذ ببناء نموذج متقن عن التطور الذي حدث للمدينة علي الحاسب الألي، وقد أدي ذلك في نهاية المطاف إلي تقديم عرض وثائقي عام ناجح للتليفزيون، وصور مثيرة تنبض بالحياة تحاكي التطورات التي طرأت علي مدينة القرون الوسطي عبر حقبة تبلغ خمسمائة عام، وتم عرضة علي العامة، وطلاب الهندسة المعمارية وتاريخ العمران.

ومع كل هذه الأعمال، لم أكن ارغب حقا في وضع كتاب بأكملهرعن تاريخ المدينة، وكنت أعتقد أن هذا العمل غير ممكن ومغامرة محفوفة بالمخاطر، وأنه يمكن أن يستغرق سنوات عمري بأكملها إذا ما حاولت الإقدام علي تنفيذه بأمانة، ولذا يجب أن أعترف بأنني كنت مترددًا في الاضطلاع بهذه المهمة عندما عرضت علي الدكتورة "شارميلا سن" محررة الدراسات التاريخية والادبية في دار نشر جامعة هارفارد، وهي باحثة مرموقة ولها ثقلها، أن أقوم بهذا المشروع منذ ما يقرب من أربع سنوات مضت.

 

ومع ذلك، فقد ظلت عبارات اللوم التي واجهتها لي الدكتورة القديرة "جانيت أبو لغد"، مؤلفة الكتاب الكلاسيكي، "القاهرة: ألف عام وعام في المدينة الظافرة"، قائلة" "متي ستقوم بإخراج كتابك عن القاهرة إلي النور؟" تتردد صداها في أذني، وقد منحتني المحررة مساحة كبيرة من الحرية لصياغة الكتاب علي النحو الذي يحلو لي، مما شكل إغراءًا كبيرًا، وجعل الأمر علي من الصعوبة بمكان أن أقوم برفضه، ورضخت لهذا الإغراء في نهاية الأمر وقمت بتوقيع عقد تنفيذ المشروع.

وعند الشروع في هذا العمل، كان قد سبق لي بالفعل التعرف علي معظم المصادر الأصلية والثانوية عن المدينة، وكانت الدراسات التاريخية عن مدينة القاهرة، من المقريزي إلي علي مبارك، ذات أهمية في إمدادي بالمعلومات الأساسية عن المخطوطات الرئيسية المهمة عن المدينة، وقد جعلتني أعمال الباحثين المصريين، بدءًا من عبد الرحمن زكي إلي جمال حمدان، أتنبه إلي ضرورة النظر إلي المدينة من خلال عيون أهلها، كما أفادتني كتابات ماكس رودينبك، وماريا جوليا، والكتاب والصحفيين الذين وقعوا في غرام المدينة، في التعرف علي وجهات نظر أخري مختلفة، وفي نهاية المطاف، فإن أعمال الأساتذة جانيت أبو لغد، وأندرية رايموند، زودتني بإطار يمكن الإستناد إلية من المراجع القيمة، كما كانت كتابات الروائيين العظام الذين كتبوا عن المدينة مصدر إلهام عظيم لي.

 

وكانت ثلاثية نجيب محفوظ عن القاهرة، من رواية بين القصرين 1956، إلي السكرية 1957، ذات أهمية فائقة، وكانت رواية خيري شلبي "رحلات الطرشجي – الحلوجي"، والتي تم ترجمتها إلي اللغة الإنجليزية، وهي رواية يقوم فيها المؤلف بتحريك شخوص روايته خارج العصور التي عاشوا فيها ليلاقوه في الأماكن المعاصرة، هي الأكثر إبداعًا، أما رواية علاء الدين الاسواني "عمارة يعقوبيان" 2002، والتي تمسك بخيوط التاريخ عبر العديد من العقود في القرن العشرين علي شكل عمارة سكنية، فقد كانت أشجع تلك الروايات واكثرها جرأة، وكانت قصص جمال الغيطاني، القصيرة منها والطويلة، والتي تقوم بتحويل المدينة إلي خيال أدبي، هي الأكثر جاذبية، وأنا أشعر بالامتنان والشكر لكل واحد منهم، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولكنني أرغب في أن أخص جمال الغيطاني الذي قطع معي شوارع القاهرة طولا وعرضًا، وفتح لي أبواب مكتبته بكل أريحية، واعطاني الفرصة في الاطلاع علي كتب اختفت منذ فترة طويلة ولم تعد موجودة في المكتبات، كما لم تعد متاحة أمام العامة.

كما أن هناك أشخاصًا بعينهم يستحقون أن أتوجه لهم بشكل خاص بآيات العرفان والتقدير الخاص للمساعدة في وضع مؤلفي "القاهرة تواريخ مدينة"، ومنهم إيلينا توملينسون، مساعدتي في الأبحاث، والتي عملت في هذا المشروع لأكثر من عام كامل، وقامت بكل أعمال المكتبة المضنية، وقرأت كل ما قت بتدبيجه، بل واصطحبتني في السفر إلي القاهرة في رحلة بحث عن المصادر والصور، كما ساهمت بجهد وافر في إعداد المسودة النهائية للكتاب، ولقد جنيت فوائد جمة من تفانيها وإخلاصها وصبرها غير المحدود، وأدين لها بفضل كبير، ةيستحق ديفيد موفات، المستشار التحريري، وشريكي لسنوات عديدة، الثناء الجزيل علي عمله التحريري الدؤوب في الكتاب، وبينما قام "إيبك تورلي" بمعاونتي في جمع بضعة فصول من الفصول الأولي في الكتاب، فإن "سيلفيا نام" قد ساعدتني في تجميع الفصول الأخيرة من الكتاب، وأدين بالفضل لكليهما في وضع مخطوطات الكتاب في المسار الصحيح.

 

كما تعهدت كل من "تارا جراهام" و"سيلفيا نام" بالقيام بالمراجعات الأخيرة، وأشعر بالإمتنان لهما لملاحظاتهما  القيمة التي جعلتني أعيد التفكير في كيفية توصيل أفكاري إلي القراء المعنيين، سواء من الباحثين أو من عامة القراء، وبقدر الإختلاف الكبير بين هاتين المجموعتين، طاقم العمل الخاص بي في مركز دراسات الشرق الأوسط، ميجان ماسومي، وبريسيلا مينيس، وأيضًا صوفي جونيك، وفيكي غارسيا في الجمعية الدولية لدراسة البيئات التقليدية، والذي رأسته لعقدين من الزمان، واللتين قامتا بتقديم دعم فيما يخص الحصول علي المصادر المطلوبة وفي أكثر من مناسبة، وقد ساعدني كل من أيمن الصياد، وسلمة الصياد، ومني جوفنش، ومؤمن الحسيني في الحصول علي صور نادرة وأخري جديدة للقاهرة، ولا أنسي مطبعة جامعة هارفارد، وبصفة خاصة "هيثر هيوز" التي قامت بالتنسيق في العمل مع المطبعة، ومحررة الإنتاج إليزابيث جيلبرت، ومحررة المخطوطة ويندي نيلسون، كما قام واضع تصميم الكتاب "بيتر هولم" بعمل اللمسات التي قام بها بوضعها.

وفي نهاية المطاف، فإنني أشعر بالإمتنان "لأنانيا روي" التي قامت بقراءة الكتاب عدة مرات قبل أن يكتمل في صورته النهائية، وكانت لملاحظتها الثمينة أفضل تأثير في خروج موسوعة "القاهرة تواريخ مدينة"، وبدون لمساتها القيمة التي قامت بها، كانت تلك الموسوعة ستخرج بشكل أخر مختلف، وفي نهاية الأمر فتلك الموسوعة التي سنبدأ في نشر عدة مقالات عنها  لم تستنزف حياتي بأكملها كما كنت أعتقد في بداية تنفيذه، وأشعر بالسرور لأنه خرج في صورته النهائية، ولست علي يقين من أنني قد أوفيت مدينة القاهرة حقها بعدالة، ولكن التاريخ سيقول كلمته الأخيرة في نهاية الأمر.

الدكتور نزار الصياد

أستاذ العمارة والتخطيط في جامعة كاليفورنيا

عضو مركز دراسات الشرق الأوسط

مدير الجمعية الدولية لدراسة البيئات التقليدية

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية



إقراء ايضا