رحلة عمرها 2.5 مليون سنة ..

بعد الكتابة على الحجر.. 5 أجيال من «الحاسبات» تقود البشرية (2)

كان لظهور شبكة "إربانت" الأمريكية دور محوري في تطوير عالم الحاسبات الألية، رغم أن تاريخ علم الحاسوب يعود لسنوات طويلة قبل القرن العشرين، وقبل وقت طويل من ظهور فرع المعرفة الحديث لعلوم الحاسوب، والذي ظهر في القرن العشرين ولاح أفقه في القرون السابقة.

الحاسبات الألية

يُعد الحاسوب التطور الطبيعي للأجهزة المحاسبية التي سعي الانسان لابتكارها منذ أكثر من 5 آلاف عام مضت، والحاسوب مجرد جهاز لديه القدرة علي تخزين ومعالجة البيانات، وطبقاً لمجموعة من التعليمات المخزنة داخله لينفذها الحاسب الآلي كما هي، وقد بدأت تلك الحاسوبات الإلكترونية في الظهور عام 1617 علي يد عالم الرياضيات الاسكتلندي "جون نابير"، والذي ابتكر آلة "نابير الخشبية".

وفي الرابع عشر من فبراير من العام 1946 أُعلن عن "الحاسب إنياك" العملاق، والذي كان يصل لأكثر من 30 طن وزنا، و150 قدم طولاً، ويستهلك أكثر من 18 ألف أبوب مفرغ، كان قادرا علي أدار 14 ضرب ذو 10 أرقام في الثانية الواحدة، ما يعني أنه كــان أسرع مــن 100 إلــى 1000 مرة من أفضل الحاسبات الميكانيكية في ذلك الوقت، ومنذ عام 1950 وحتي اليوم ظهر خمسة أجيال أساسية من الحاسبات.

الجيل الأول

بدأ الجيل الأول من الحاسوب في الخمسينيات من القرن الماضي، واستمر لثمانية سنوات، من 1951 حتي 1958، بإنتاج الحاسوب "UNIVAC"، اعتمد هذا الجيل علي أنابيب زجاجية مفرغة تمرر تيار كهربائي دون الحاجة إلي محور ميكانيكي، ما جعلها ضخمة الحجم، وتستهلك طاقة كهربائية كبيرة، وينبعث عنها حرارة كثيفة جداً، ما يجعلها الأكثر إحتياجاً لوحدات التبريد الضخمة، ذات سرعة بطيئة وسعات تخزينية محدودة، تعتمد علي اسطوانات صلبه ممغنطة.

يتم برمجة وتطوير هذا النوع عن طريق لغة برمجية بسيطة، ما جعل من عملية التطوير عملية صعبة ومملة، لذلك قامت شركات الحاسبات بإنتاج لغة جديدة لتبسيط وتسهيل أعباء البرمجة بلغة الآلة، فخرجت الي النور اللغة الرمزية "Symbolic Language"، أو لغة التجميل، أو ما يسمي بـ"Assemble" ، والتي يقوم الحاسب عند تشغيلها بتحويله إلي لغة الآلة ليفهمها وينفذ تعليماتها.

الجيل الثاني

نتيجة للمعاناة التي عايشها مستخدمي الجيل الأول، عكف الباحثين علي تصميم الجيل الثاني، ذلك الجيل الذي استمر العمل به طيلة خمس سنوات، خلال الفترة من 1959 إلي 1964، ويعتمد علي نظام الـ"ترانزيستور"، ما أدي إلي معالجة جميع السلبيات التي واجهها المستخدم مع الجيل الأول، من تقليل للحجم، وخفض لدرجات الحرارة، وزيادة سرعة الاداء، في حين كان يتبع نظام "القلوب الممغنطة"، محل الأسطوانات الممغنطة في تخزين وحفظ البيانات، كما استخدم هذا الجيل "الأشرطة الممغنطة"، وهي قريبة الشبه من أشرطة التسجيل الترانزيستور، والأهم أن ذلك الجيل شهد بداية مولد الأقراص الممغنطة، والمعروفة بإسم "هارد ديسك" Hard Disk، كانت فيما مضي تحتوي علي أكثر من قرص تخزين، يربط بينهم عامود صلب، لكل قرص زراع قراءة وكتابة خاص به.

الجيل الثاني للكمبيوتر استخدم لغات برمجية ذات مستوي عالي، أهمها "لغة "الفورتران" تلك اللغة التي حولت اللغات الرمزية التي لا تفهمها إلا الآلة، إلي لغة بسيطة يفهمها أي إنسان، وإن كانت إلي حد ما تتميز بالتعقيد العلمي، رغم قدرتها علي أداء مهامها التطبيقية العلمية والهندسية، ولكنها في الوقت نفسه وقفت عاجزة أمام بناء تطبيقات معالجة البيانات التجارية، والتي  تتميز بكم هائل من المعلومات والعمليات، ليظهر بعدها لغة الـ"كوبول"، ذو القدرة الفائقة في التعامل مع الملفات الضخمة، وأستخدمت في بناء تطبيقات الأجور والفواتير والموارد البشرية.

الجيل الثالث

استمر هذا الجيل خمس سنوات، طيلة الفترة من 1965 حتي عام 1970، كان البداية الحقيقية لظهور الحواسيب صغيرة الحجم، ليتم فرضها تجارياً، كما بدأ ظهور ما يسمي بالدوائر المتكاملة المصنوعة من مادة السيلكون، وتم تثبيتها علي عدد من الـ"بوردات"، سواء كانت الرئيسية "مازر بورد"، أو بوردة "هارد ديسك"، أو غيرها، لتصبح تلك الدوائر بديلاً متطوراً عن "الترانزيستور"، بديل لا يحمل أي من العيوب السابقة، بالإضافة إلي السرعة والقوة والحجم الصغير.

اعتمد هذا الجيل في عملية التخزين علي أقراص ممغنطة "هارد ديسك"، كما إعتمد لأول مرة علي أنظمة التشغيل البرمجية، ما جعل العملية الإنتاجية أعلي وأسرع من قبل المستخدم غير المتخصص، ومع هذا الجيل ظهر ما يُعرف بشفرة الأوامر الرمزية متعددة الأغراض للمبتدئين، المعروفة إختصاراً "بيسيك"، سهلة الإستخدام، ما جعلها تُتعمد كلغة الحواسيب المنزلية التي ازدهرت في الثمانينات فيما بعد، خاصة بعد أن أصبحت سرعة الحواسيب تقاس بعدد العمليات علي نانو ثانية، وتم إنتاج الشاشات الملونة وأجهزة القراءة الضوئية.

الجيل الرابع

شهد عقد السبعينات ثورة ضخمة في عالم الحواسيب، وفي كلا الجانبين، سواء في معدات الكمبيوتر، أو في البرمجيات نفسها، وقد تميزت حواسيب هذا الجيل بصغر الحجم وزيادة السرعة والدقة والوثوقية وسعة الذاكرة وقلة التكلفة، وأصبحت السرعة تقاس بملايين العمليات في الثانية الواحدة، كما شهدت أول ظهور لـ"المعالج الدقيق"، وهو المسئول عن كل العمليات التي يقوم بها الحاسب، وهو عبارة عن شريحة تضاف علي اللوحة الأم "Mother Board"، وفوقها مروحة تبريد.

مع الجيل الرابع ظهرت الذاكرة العشوائية "RAM" والذاكرة الدائمة "ROM"، وظهر نظام دوائر التكامل الواسع "LSI"، والمصنوعة من رقيق سيليكون صغير يقترب من ربع بوصة، يمكنه أن يحتوي علي عدد كبير من وحدات الترانزيستور الدقيقة، والتي يبلغ عددها ما بين 1000 إلي 500 ألف وحدة، كما بدأ يظهر نوع من البرمجيات المختلفة، مثل نظام إدارة قواعد البيانات، والتي تملك لغة الاستفسارات، ولغة معالجة البيانات، بالإضافة إلي ظهور نظم معالجة الكلمات.

الجيل الخامس

شهد مطلع التسعينات ميلاد أخر أجيال عالم الحواسيب، رغم أننا مازلنا نعيش حتي اليوم في صلب الجيل الرابع، حتي أن الخبراء يعتقدون أن كل ما حدث لهذا الجيل مجرد زيادة تطور، فعلي سبيل المثال لا الحصر، زادت كثافة الـ"هارد ديسك" التخزينه، كما تحولت الـ"فأرة"، ولوحة المفاتيح من الكرة الدوارة لاستخدام الليزر، سواء في تحريك مؤشر الفأرة، أو في الربط بين الفأرة وبين الجهاز لا سلكياً، وزيادات سرعة المعالج الدقيق والرامات، زيادات وتطورات أوسع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي يجعل الحاسب الآلي أقرب للإنسان، وهكذا.

 

أخصائي نظم معلومات حاسب آلي

(مبرمج ومحلل نظم)

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية