ثلاثة مقابر تضم 20 ألف ضحية و50 ألف اسم مجهولة

مقابر العلمين.. شاهد علي أهم معارك الحرب العالمية الثانية

قبل ستة وستون عام مضت، وتحديدًا في الرابع والعشرين من أكتوبر من العام 1954، تم افتتاح مقابر العلمين، والتي تضم رفات ما يقرب من 20 ألف جندي، بالإضافة إلي حوالي 50 ألف إسم جندي مفقود في المعارك التي دارت في مدينة العلمين في الحرب العالمية الثانية، والتي تُعد أحد أشهر معارك الحرب العالمية الثانية بين دول الحلفاء ودول المحور، والتي منيت فيها قوات الفيلق الإفريقي الألماني بالهزيمة.

 

جاء بناء مقابر العالمين طبقًا لقرار لجنة قبور الكومنولث للحرب "CWGC"، وهي منظمة حكومية دولية من ست دول أعضاء، وهم المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والهند وجنوب إفريقيا، قام بتأسيسها اللواء السير فابيان آرثر جولستون وير، وذلك في 21 مايو من العام 1917، تحت اسم لجنة قبور الحرب الملكية، وظيفتها الرئيسية تحديد وتسجيل وصيانة القبور وأماكن إحياء ذكرى العسكريين والمدنيين الذين ينتمون لدول الكومنولث، وقد ماتوا في الحربين العالميتين الأولي والثانية، علي أن يتم بناء تلك القبور في مواقع المعارك التي حدثت خلال الحربين، لذا هناك ما يقرب من 2500 مقبرة ونصب تذكاري، بالإضافة إلي 23 ألف موقع دفن في 153 دولة حول العالم.

وتتكون المقابر من ثلاثة مدافن رئيسية، الأول يخص ضحايا الكومنولث، قام بتصميمها المهندس البريطاني السير جون هوبرت ورثينجتون، وتم افتتاحها في حضور قائد الحلفاء في المعركة "برنارد مونتجمري"، وتضم رفات 7367 ضحية من بريطانيا ونيوزيلاندا واستراليا وجنوب أفريقيا وفرنسا والهند وماليزيا، كما سُجل علي حوائطها أسماء 11945 من الجنود المفقودين، والثاني المقابر الإيطالية، والتي قام بتصميمها المهندس الإيطالي باولو كاشيا دومينيوني، تم افتتاحها في حضور رئيس وزراء إيطاليا أمينتوري فانفاني في 9 يناير 1959، وتضم رفات 4634 جندي إيطالي، بالإضافة إلى لوحة تذكارية تشير إلي 38 ألف مفقود، وأخيرًا المقابر الألمانية، والتي قام بتصميمها المهندس الألماني روبيرت تيسغلير على هيئة قلعة أعلي تل، وتم افتتاحها في أكتوبر 1959، وتضم رفات 4280 جندي، بينهم ٨٠ جندي مجهول في غرفة مستقلة.

أهم ما يلفت النظر أن مقابر الكومنولث في العلمين ليست الوحيدة علي ارض مصر، فهناك أيضًا 15 مقبرة للكومنولث تنتشر بالمحافظات المصرية، ففي القاهرة هناك مقبرتي مصر الجديدة وصلاح سالم، وفي الاسكندرية هناك ايضًا مقابر الحضرة والشاطبي والمنارة بمدينة أبو قير، وفي بورسعيد مقبرتين، وفي محافظة الاسماعيلية في فايد والقنطرة شرق والتل الكبير ومعسكر الجلاء، ومقبرة بمحافظة السويس، ومقبرة بمحافظة أسوان، وفي مرسي مطروح هناك بجانب العلمين مقبرة السلوم.

داخل مقابر العلمين يتواحد أحد أهم النصب التذكارية الخاصة بالحرب العالمية الثانية، وهو النصب التذكاري اليوناني، والذي أنشىء عام 1971، وتم تصميمه بالطرز المعمارية اليونانية القديمة، وذلك لتخليد ذكرى وفاة حوالى 320 جنديا يونانيا بعضهم فى مقابر الكومنولث، والبعض الآخر فى كنيسة مارى جرجس بالقاهرة.

 

مقابر العلمين تضم أيضًا متحف العلمين العسكري، والذي تم افتتاحه في 16 ديسمبر 1965 ليكون شاهداً على معركة العلمين، والتي جرت وقائعها في أكتوبر 1942، ويضم ست أقسام رئيسية، القاعة المشتركة، قاعة مصر، قاعة إيطاليا، قاعة ألمانيا، قاعة إنجلترا، وساحة العرض المكشوف ومركز القيادة، ويحكي المتحف قصة الدول الأربعة الرئيسية التي شاركت في معركة العلمين، وهم بريطانيا وألمانيا وإيطاليا ومصر، لذا يتم عرض مقتنيات المتحف باللغات العربية والإنجليزية والألمانية والإيطالية، وتضم العديد من الأسلحة والأزياء العسكرية، بالإضافة إلي إرشادات صوتية تحكي قصة المعركة باللغات الأربعة، وفي الحديقة الخاصة بالمتحف تنتشر الكثير من الدبابات والمدافع والمركبات العسكرية.

وتشهد تلك المقابر احتفالا سنويا لاحياء ذكرى تلك المعركة التي دارت في هذه المنطقة الواقعة بمحافظة مطروح بشمال غرب مصر منذ أكثر من 78 عام مضت، فتلك المعركة والتي تُعد نقطة تحول لمصلحة قوات الحلفاء بقيادة الجنرال مونتجمري على قوات المحور بقيادة روميل، ويتم الإحتفال في حضور ممثلين عن دول الكومنولث على رأسهم إنجلترا وفرنسا وكندا واليونان والهند، وممثلين عن دولتي ألمانيا وإيطاليا، وبمشاركة عشرات الوفود التابعة للدول المختلفة، وعدد من المحاربين القدماء الذين شاركوا في معارك الحرب العالمية الثانية بمنطقة الصحراء الغربية، بالإضافة إلي أسر الجنود ضحايا معركة العلمين.

وقد أسفرت معركة العلمين عن خسائر فادحة، حيث قُتل من الحلفاء حوالي 13 ألف جندي، كما خسر 250 دبابة غير قابلة للتصليح، بالإضافة إلي 250 دبابة معطوبة، و500 مدفع، و250 طائرة، في حين خسر المحور حوالي 15 ألف جندي، بالإضافة إلي وقوع ما يقرب من 30 ألف أسير، وخسارة 450 دبابة، و800 مدفع، و400 طائرة.

 

رغم أن معركة العلمين حدثت منذ ما يقرب من 78 سنة، إلا أن نتائجها المأساوية مازالت حتي اليوم شاهدة عليها، ومازال ضحاياها يسقطون حتي اليوم، فقد ترك المحاربون خلفهم حقلًا شيطانيا من الألغام، حيث زرع الجميع ما يقرب من 20 مليون لغم وجسم قابل للإنفجار، في مساحة تبلغ ما يعادل 683 ألف فدان، أي حوالي 2869 كيلو متر مربع، في المنطقة الواقعة من غرب الاسكندرية وحتي الحدود الليبية، ورغم جهود الدولة المصرية في إزالتها، إلا أن الكثير منه لازال موجودًا.

المراجع:

  • المصور والرحالة الكندي lesleyanne ryan.
  • النصب التذكاري لعلمين، الموقع الرسمي للجنة قبور حرب الكومنولث 28 ديسمبر 2013، https://www.cwgc.org/.
  • تاريخ لجنة قبور حرب الكومنولث، سامرز ، جولي، لندن، ٢٠٠٧.
  • التنمية السياحية في مصر: من منظور جغرافي وتخطيطي، فتحي محمد مصيلحي، ماجدة محمد جمعة، دار الماجد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولي، ٢٠٠٤.
  • معركة العلمين وقادتها، شوقي محمد بدران، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الأولي، ١٩٦٧.
  • رومل والفيلق الأفريقي - حرب الصحراء، سليمان محمود سليمان،الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولي، ١٩٩٨.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية