"مارييت وماسبيرو وكارتر".. ثلاثي عشق الحضارة المصرية

الايجيبتولوجي.. العلم الذي سيطر عليه الأجانب (2 - 3)

رغم أن حضارتنا الفرعونية حضارة مصرية الطابع، سواء كان ذلك جغرافيًا أو تاريخيًا، إلا أن اللافت للنظر أن العلماء الأبرز في دراسة "الايجيبتولوجي"، وهو أحد فروع علم الآثار الذي يختص بدراسة التاريخ المصري القديم، من آداب ولغة وفنون وديانة وحفريات، أغلبهم يحمل الطابع الأجنبي، والأكثر من ذلك أنهم لم يحصلوا علي صفة الأبرز عن عبث بل لاكتشافاتهم الأثرية، ما جعلهم يحتكرون ذلك العلم، نظرة سريعة الي لستة العلماء الذين ظهروا طيلة القرنين الأخيرين ستجعلنا ندرك تلك الحقيقة، وكان من أهمهم علي الإطلاق، ما يلي:

 

أوجوست مارييت

 

ولد العالم الفرنسي "أوجوست فردينان فرانسوا مارييت" بمدينة "بولوني سور مير" في شمال فرنسا عام 1812، جاء الي مصر سنة 1850، موفدا من قبل الحكومة الفرنسية للبحث عن بعض الآثار والمخطوطات، أصبح أول عالم أجنبي يلقب بـ"باشا" وهو لقب مصري رفيع المقام في تلك الفترة، وسبب حصوله عليه ما قام به من اكتشافات أثرت الحياة الأثرية في مصر، بالإضافة لتأسيسه المتحف المصري، ودائرة الآثار المصرية، والتي أصبحت المجلس الأعلى للآثار فيما بعد.

طيلة ثلاثون عاما كاملة قضاها "مارييت" في مصر، عكف علي البحث والتقصي عن الآثار المصرية، بدأ بمنطقة سقارة، وأجرى حفائر عظيمة حتى كشف مدفن العجول "السرابيوم" وكان يعمل في التنقيب منفرداً، دون أن تكون له بالحكومة أي صلة رسمية، وقد نقل إلى فرنسا كثيراً مما عثر عليه من العاديات واللوحات الأثرية، وذات يوم قرر المهندس الفرنسي "فردينان دليسبس" أن يصبح مأموراً لأعمال العاديات بمصر، ونجح في إقناع صديقة الحميم "سعيد باشا"، فمنحة المنصب سنة 1858، ومارس "مارييت" عمله لأول مرة بشكل رسمي، وقام بالتنقيب عن العاديات والآثار، نقلت جميعها إلى مخازن أعدت لها في حي بولاق.

 

وفي عهد "إسماعيل باشا" قام بإصلاح وتوسيع مخازن بولاق، وأقام لها حفل افتتاح ضخم سنة 1863، لتصبح أول وأكبر دار للعاديات والآثار المصرية حتي نهاية القرن، وطيلة تلك الفترة قام بجهوده في الاكتشافات الضخمة، فتحت اسمه وجهوده اكتشف الكثير من أهم اكتشافات معبد الدير البحري، إضافة إلى بعض الآثار في معبد الكرنك وهابو بالأقصر، كذلك اكتشافه تمثال خفرع بالجيزة، وتمثالي الكاتب الجالس وشيخ البلد في منطقة سقارة.

 

جاستون ماسبيرو

 

ولد العالم الفرنسي "جاستون كاميل شارل ماسبيرو" بمدينة "باريس" لأبويين ايطاليين عام 1846، أظهر اهتماماً مبكراً بالحضارة المصرية القديمة، وقبل أن يصل الي الرابعة عشر تمكن من قراءة نصين كُتبا باللغة الهيروغليفية، وقد حصل علي النصين من عالم الآثار "أوجست مارييت"، بعدها عكف علي دراسة المصريات وحده بإطلاعه على الآثار المصرية المحفوظة في متحف اللوفر، ونقوش المسلة المصرية بميدان الكونكورد، وبدأ اسمه يعرف في الأوساط العلمية بعد ترجمته لنصوص "مارييت".

جاء "ماسبيرو" إلى مصر على رأس بعثة فرنسية في الخامس من يناير من العام 1881، أي قبل وفاة "أوجست مارييت" بحوالي 13 يوم فقط، وكان يجيد اللغة العربية، ما أهله لتولي منصب مدير مصلحة الآثار المصرية، وأمين المتحف المصري للآثار ببولاق، وكان عمره حينها لم يتخط الرابعة والثلاثين عاماً.

 

لماسبيرو العديد من الاكتشافات العظيمة التي تؤهله خلفاً لأستاذه "مارييت"، فاستكمل الحفريات التي كان يقوم بها "مارييت" في سقارة ووسع من نطاق البحث، وكان مهتما بشكل خاص بالمقابر التي تحتوى على نصوص فرعونية مهمة تثرى اللغة الهيروغليفية، وقد عثر بالفعل على 4000 شطر قام بتصويرها وطباعتها، كما ارتبط إسمة بصورة كبيرة بالدير البحري بالأقصر، والذي عمل في مجال التنقيب والحفائر به لفترات طويلة، ثم فيما بعد أسس المعهد الفرنسي للآثار بالقاهرة، والذي أنشأه خصيصاً لدراسة الآثار المصرية بجميع فروعها وأنواعها.

أهم ما قام به جاستون ماسبيرو طيلة تواجده في مصر مكافحته المستمرة لسرقة الآثار المصرية، فقام بنقل المئات من المومياوات والآثار المنهوبة إلى المتحف المصري، بل أستطاع أن يسن قانونا جديدا صدر في عام 1912، ينص على أن لا يُسمح للأشخاص بالتنقيب، والذي يقتصر فقط على البعثات العلمية، وبعد الموافقة على مشروعها، ولم يصبح من حق الحفارين الحصول على نصف ما يعثرون عليه، لكنهم يحصلون فقط على القطع التي لها مثيل بمتحف القاهرة، ولا يمنح القائم على الحفائر تأشيرة خروج من مصر إلا في حالة تركه الموقع الأثري في صورة مُرضية، مما أثار عليه غيظ وحقد المهربون الأجانب وتجار الآثار، كما فرض مقابلاً لمشاهدة المناطق الأثرية لمواجهة النفقات التي يحتاجها للتنقيب وأعمال الصيانة.

 

هوارد كارتر

 

ولد عالم الآثار الانجليزي "هوارد كارتر" بمقاطعة "كينسينجتون" اللندنية عام 1874، أبدي شغفاً مبكراً بالحضارة المصرية، حتي أنه غامر بالمجيء عام 1891 الي القاهرة، ولم يكن قد جاوز السابعة عشر  بعد، وبدأ في دراسة النقش والرسم الهيروغليفي، وقبل أن يصل الي العشرين من عمره، عمل بالاكتشافات الأثرية بمقابر "بني حسن"، مقر مقابر أمراء مصر الوسطى، والتي حكمت مصر قبل أربعة آلاف عام مضت، ثم عمل في مواقع أثرية كثيرة في مناطق تل العمارنة وإدفو وأبو سمبل، كما أنه اكتشف أثار تعود للملكة حتشبسوت في مقبرة بالدير البحري في العام 1899، علي أثرها التحق بوظيفة بالمجلس الأعلى المصري، وما لبث أن استقال بسبب خلاف بين حراس موقع أثري مصري وبعض السائحين الفرنسيين عام 1906.

وفي عام 1907، وبعد مرور سنوات وصفت بالقاحلة، تعرف كارتر على اللورد "جورج إدوارد ستانفورد مولينكس هيربرت" أو ما عرف باللورد "كارنارفون"، وهو ارستقراطي انجليزي يُعد أحد الهواة المتحمسين للرحلات الاستكشافية، حتي أنه وافق بسهولة علي تمويل بعثات "كارتر" الاستكشافية، وفيما بعد أصبح "كارتر" المسئول عن كل أعمال التنقيب عن الآثار الخاصة ب"كارنافون".

 

والحقيقة أن "هوارد كارتر" أضحي فيما بعد أحد أبرز العلماء الذين حفروا أسماءهم في تاريخ علم "الايجيبتولوجي"، لما حققه من اكتشافات قيمة، لعل أبرزها علي الإطلاق اكتشافه مقبرة الفرعون المجهول "توت عنخ آمون" أحد فراعنة الأسرة المصرية الثامنة عشر، وذلك في الرابع من نوفمبر 1922، ويعد هذا الاكتشاف أبرز اكتشاف أثري على مر التاريخ، وكان له صدى عالمي غير مسبوق.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية