كتابات علماء الحملة الفرنسية جذبت عشاق التاريخ إلي مصر.. وأشهر رسامي أوروبا انطلقوا من شوارع القاهرة

رحالة بريطاني يرصد قصور الضيافة في «المحروسة» منذ 175 سنة "1"

"فنجان شاي ساعت العصاري أو مع شروق الشمس علي ضفاف النيل العظيم.. جولة بالحصان وسط رمال الصحراء واستكشاف أسرار الأهرامات وحارسهم أبو الهول.. عشاء فاخر علي أنغام موسيقي التانجو في ليل القاهرة الباهر.. اكتشفوا سحر الشرق من بوابة تاريخ القاهرة.. ولا تقلقوا فبها أجمل وأعرق فنادق تليق بكم".

 

كانت تلك أهم فقرة جاءت في كتاب "أندرو همفريس"، المؤلف والكاتب الصحفي البريطاني، "فنادق مصر الكبري: العصر الذهبي للسياحة"، والصادر عن دار النشر بالجامعة الأمريكية مطلع تسعينيات القرن الماضي، فحينما جاء زائرا إلي مصر لأول مرة عام 1988، وجد فنادق المدينة مزيجا جذابا بين الطابع العصري الحديث وعراقة التصميمات الغربية الكلاسيكية، ما جعلها عنواناً يجذب السائح لحضارة تمتد جذورها لأكثر من سبعة آلاف سنة.

 

الحقيقة أن "أندرو همفريس" لم يكن مجرد بريطاني مُحب لزيارة مصر، ولكنه كان عاشقاً لكل ما هو مصري، فقد أصدر أول مجلد من نوعه تحت عنوان "ناشيونال جيوغرافيك إيجيبت"، بالإضافة لعدد من الكُتيبات الإرشادية عن المناطق السياحية بالقاهرة، كما شارك في تأسيس ورئاسة تحرير صحيفة "كايرو تايمز"، المهتمة بالشئون المصرية.

 

كتاب "فنادق مصر الكبري: العصر الذهبي للسياحة" يضم مجموعة من الصور النادرة لعدد كبير من الفنادق التي بُنيت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقال إن تلك الفترة تحديدا شهدت شغف العالم بالحضارة المصرية العريقة، خاصة بعد بدء دراسة وفهم اللغة الهيروغليفية القديمة، وبما أن زوار أرض الفراعنة دائما ما كانوا إما مستكشفين باحثين عن حقيقة تلك الحضارة المتجذرة، أو روائيين باحثين عن قصة مستوحاة من جمال النيل وغموض الصحراء، أو فناناً يطارد إلهامه بين معالم القاهرة والإسكندرية وأسوان، لذلك جمعت أغلب الفنادق ذلك المزيج بين طابعي المعاصرة والكلاسيكية العريقة.

 

أول خيط

القصة بدأت بعد رحيل آخر جندي فرنسي عام 1801، تلك الحملة التي فشلت عسكرياً، ولكنها نجحت علي المستوي العلمي، حيث عاد إلي فرنسا أكثر من 160 عالماً وباحثاً ليقدموا للعالم كل ما عرفوه عن مصر، "وصف مصر"، والذي صدر خلال الفترة من 1809 إلي 1812، ما أدي إلي إصابة الغرب بحالة من الشغف، زادت عقب نجاح شامبليون بفك حجر رشيد، كان كل من يزور مصر يعود إلي بلاده ليؤلف كتاباً عنها، فقد كانت مصر مُلهمة للعقول.

 

القائمة دائماً طويلة، تضم علي رأسها المستشرق البريطاني "إدوارد وليم لين"، وكتابه "أخلاق وأزياء المصريين"، والرسام الاسكتلندي العظيم "ديفيد روبرتس"، والذي ألّف "مصر النوبة"، بالإضافة لأجمل لوحاته التي رسمها عن مصر، خاصة لوحة استقبال محمد علي باشا والي مصر له في الإسكندرية، والكاتبة الارستقراطية والإنجليزية "لوسي دوف جوردن" والتي اشتهرت برسائلها من مصر، ثم ضمت تلك الرسائل في كتاب سمته "رسائل من القاهرة"، وأخيراً الكتاب الذي صنع الفارق "ألف ميل أعلي النيل"، للروائية والصحفية والرحالة البريطانية "إميليا إدواردز"، وكتاب "رحلة توماس كوك وابنه جون في مصر"، والذي بسببه نجح رجل الأعمال البريطاني "توماس كوك" في تأسيس أول شركة سياحية بمصر والشرق الأوسط.

 

"أندرو همفريس" في كتابه خصص فصلاً كاملاً عن الفنادق السياحية الأقدم في مصر، واضطر للاعتماد علي الجريدة الرسمية ومركز المعلومات البريطاني، وقال إنه حصل علي بعض المعلومات التي من شأنها أن تغير من تاريخ بعض الفنادق، فعلي سبيل المثال، فندق "وينتر بلاس" في الأقصر، والذي تم افتتاحه عام 1886، كما أنه يضم مطعماً يحمل نفس التاريخ، ولكن الجريدة المصرية تؤكد أن حفل الافتتاح تم في يناير 1907.

 

فنادق الإسكندرية

وبما أن الإسكندرية كانت دائما الوجهة الأولي لأي زائر إلي مصر، كانت فنادقها المحطة الأولي في كتاب "أندرو همفريس"، والتي بدأ بأشهرها علي الإطلاق، فندق وكازينو سان ستيفانو الرمل، والذي أُقيم محل قصر الكونت "استيفان زيزينيا" عام 1887، حيث صمم طرازه المهندس المعماري "بوجوس نوبار" ابن رئيس الوزراء المصري "نوبار باشا"، على الطراز المعماري لمنتجعات جنوب فرنسا الترفيهية، كما عد وقتها من المعالم السياحية للمدينة، بل واعتبر في فترة أوائل القرن العشرين محلا لتجمع نخب المدينة من الأثرياء والشخصيات العامة والأسرة المالكة.

أحد أهم الفنادق الأخري، فندق "سيسيل" بالغ العراقة، بل وأفخمها أوائل القرن الماضي، حيث يطل على كورنيش الإسكندرية، وكذلك على ميدان سعد زغلول، ومحطة الرمل وسط المدينة، صممه المعماري الإيطالي "جوسيبي أليساندرو لوريا" المولود في المنصورة بمصر في العام 1888، حيث قام بتصميم المبنى على الطراز الفلورنسي الذي يميز المدينة، وتم افتتاحه عام 1929، وكان أول ملاكه الثري الألماني "ألبرت متزجر" الذي سماه "سيسيل" تيمنا باسم ابنه، ارتبط كثيرا بعالم الأدباء، حيث تضم قائمة نزلائه مشاهير الأدب، أمثال: أجاثا كريستي، وسومرست موم، وفاو إيفلين، وأما لروانس درايل، صاحب رواية "رباعية الإسكندرية"، والتي تدور جميع أحداثها داخل جدران الفندق، وغيرهم من الشخصيات العظيمة.

"أندرو همفريس" لم ينسَ في كتابه عددا كبيرا من الفنادق ذات التاريخ العريق، وعلي رأسها بالطبع فندق وكازينو "ريالتو" بشاطئ ستانلي، وفندق "ويندسور"، وفندق ومطعم "سان جيوفانى" ستانلي، و"ميركيور رومانس"، وفندق "الفورسيزون" والذي افتتحه الخديو توفيق عام 1886، وكانت قبل ذلك بربع قرن مجرد كنيسة ضخمة للكونت إتيان أو استفان زيزينيا، وفندق "ماجستك" والذي افتتح للجمهور عام 1915، وقضي فيه الروائي الإنجليزي الشهير "إدوارد مورغان فورستر"، ومنه بدأ استكشافه للمدينة المزدهرة، والتي كتب عنها  لاحقا في أوائل العشرينيات كتابه شديد الأهمية "الإسكندرية: تاريخ ودليل"، وحتى اليوم يأتي السياح إلى الميدان باحثين عن المبنى الذي أقام به الأديب الكبير.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية