استوطنه المصريين الرحل قبل 10 آلاف عام

كهف الجارة.. لغز علي عُمق 50 متر حير العلماء

منذ ما يقرب من قرن ونصف، وتحديدًا في الرابع والعشرين من ديسمبر من العام 1873، وصل المستكشف الألماني "جيرهارد رولفز" إلي منطقة منعزلة تقع بين الوادي الجديد بالصحراء الغربية وأسيوط، تنقل كثيرًا بدابته حتي وصل أخيرًا إلي منطقة الهضبة الإيوسينية، ليفاجئ ببوابة غريبة في باطن تلك الهضبة، بدأت منذ الوهلة الأولي كمدخل لأحد منازل أفلام الرعب في باطن الأرض، حيث تتدلي الرواسب الصخرية كالأنياب صاعدة وهابطة.

 

تجرأ المستكشف الألماني "جيرهارد رولفز"، وقرر دخول كهف الجارة، ثم دون في مؤلفاته عن الصحراء الغربية، أنه شاهد العشرات من النقوش البشرية، ويبدوا أن هذا الكهف كان موطنًا لبعض البشر الأوائل الذين سكنوا تلك المنطقة، أو قد يكونوا مروا عليه كما مر هو، لذا قرر أن يستقر لبعض الوقت بجوار كهف الجارة للتعرف علي طبيعتها السحرية، والتي تعد مجهولة حتي اليوم، ومازالت لغزاً محيرًا لعلماء الجيولوجيا، ثم اختفي أي ذكر لذلك الكهف لأكثر من 115 عام أخري، حتي عثر علية العالم "كارلو بيرجمان" في عام 1989.

كهف الجارة عبارة عن مجموعة مغارات، وتقع على عمق أكثر من 50 مترًا نزولا في باطن الأرض في قلب الصحراء الغربية بين الواحات البحرية ومحافظة أسيوط، تحديدًا بمنتصف صحراء الفرافرة، وبالقرب من وادي محرق بعد محمية الصحراء البيضاء بحوالي 7 كيلومترات شرقاً باتجاه أسيوط، طيلة الثلاثة عقود الأخيرة شهدت العديد من الزيارات العلمية لجامعات مصرية وغربية، بدأت بجامعتي عين شمس المصرية، وهلسنكي الفنلندية، وجورجيا الأمريكية، وذلك قطعًا للأهمية الجيولوجية والأركيولوجية لتلك الهضبة النادرة.

لكهف الجارة مدخلين رئيسيين، يشرفان علي حافة شديدة الانحدار، المدخل الأول يشرف علي ركام ومفتتات لحائط قديم من حوائط الكهف تهدم، وتظهر كومات من الرمال متخذة شكل هرمي علي الجانب الأيسر من المدخل الأيسر، والجانب الأيمن من المدخل الأيمن، وقد فُتحت تلك المداخل من سقف الكهف بشكل طبيعي نتيجة ضعف أو كسر، قبل ان ينهار، ويمتد الكهف لحوالي 70 مترًا، ويبلغ اتساعه إلي 35 متر، وبارتفاع يصل إلي ستة أمتار، وإن كان هذا الحجم غير مُحدد وواضح، خاصة وأن أرضية الكهف مغطاة برمال غير معلومة المصدر أو السمك، كما أن سقف الكهف نفسه يقترب من الأرضية كلما اتجهنا نحو الغرب والجنوب ليصل إلي أقل من مترين فقط.

بمجرد أن يطأ الزائر بقدميه داخل الكهف، والذي سيضطر لدخوله مطأطئ الرأس لوجوده في باطن الأرض، سيجد غرفة كبيرة تصل مساحتها حوالي 1300 متر مربع، متصلة بغرفة أصغر من خلال ممر ضيق، تزينها بعض نقوش إنسان العصر الحجري الحديث، بالإضافة لنقوش بعض الحيوانات كالنعام والغزلان والوعول بقرونها الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والدجاج، وقد تم تحديد 133 رسمه لحيوانات وكائنات كانت تعيش في تلك المنطقة المنعدمة الحياة في الوقت الحالي.

وقد فسر العلماء تلك الظاهرة بالدورات المناخية التي تعرضت لها مصر وزيادة الأمطار التي أدت إلى نمو الأعشاب مما أدى الي تواجد وتوافد الحيوانات الأكلة للعشب، وبناء عليه ظهرت الحيوانات آكله اللحم والإنسان الذي كان يعيش في الكهوف، أو الرحالة الذين مروا عليها، واستوطنوها لفترات زمنية، وهذا تم في العصر الحجري الحديث، ما يقرب من 7700 سنة قبل الميلاد، أي قبل نحو 10 آلاف عام مضت، فقد كان كهف الجارة قائم ويأوي الإنسان الهارب و الحيوان المفترس.

ولكن متي بُدء نحت كهف الجارة نفسه؟، ذلك  سؤال حاول علماء الجيولوجيا الإجابة علية، فمنذ أكثر من 250 مليون سنة بدء في ظهور هذا الكهف، ثم استمر بضع ملايين أخري من السنين حتي يصل إلي هذا الشكل، وما يدل علي وجود نظام مائي كبير وضخم، سواء كان علي السطح أو تحت سطح الأرض، نتج عنه هذه الرمال والظواهر الأخرى كالصواعد والهوابط الصخرية داخل الكهف، والأعمدة التي حدثت نتيجة التحامها بمادة كربونات الكالسيوم التي كانت ذائبة في المياه قبل أن تنحصر المياه وتترك رواسبها بهذا الشكل.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية