صناعة عمرها أربعة آلاف عام من التاريخ

القربان– الخبز المقدس.. عشاء السيد المسيح الأخير

"داخل أروقة كنيسته وقف القس حاملا في يده ذلك الخبز، يقترب منه رعايا الكنسية من المصلين، يقطع بيديه قطعًا صغيرة من الخبز، ليطعم بها أفواه العابدين".. كثرًا ما نري ذلك المشهد في صلاة القداس الإلهي لأقباط مصر، قطعة من الخبز المستدير يمسك بها القس ليطعم بها الكثير من المُصلين داخل الكنيسة.

 

القربان، أو الخبز المقدس، لم تكن بالتقليد الحديث، ووفقًا للطائفة القبطية الأرثوذكسية يُعتقد أنها تعود إلي القرن الحادي والعشرون قبل الميلاد، خاصة وأن أول إشارة له جاءت في كتاب الإنجيل، وتحديدًا في سفر التكوين، الإصحاح الرابع عشر، ووفقا للإصحاح الثاني، من سفر اللاويين، كان بمثابة تقدمه يقدمها اليهودي من ضمن التقديمات التي حثت عليها شريعة سيدنا موسي، وذلك في القرن الخامس قبل الميلاد.

ما هو القربان المقدس؟، وكيف تتم صناعته؟، هذا هو الأهم ونرصده في هذا التقرير، فالقربان مجرد خبز، ومنذ فجر الحضارة صنع المصريون القدماء ذلك الخبز، ولم يصنعوا خبزًا عاديًا بل وضعوا عليه رموزًا وأختامًا دينية مختلفة، وعقب دخول مصر العصر المسيحي، حلت الصُلبان محل تلك الرموز، وقد عُثر بالفعل علي خُبز تظهر علية تلك الأختام المسيحية في أخميم بشكل خاص وتعود إلى بداية العصر المسيحي.

أما عن الأختام نفسها، فتختلف طبقًا للقواعد التي وضعتها الكنائس القديمة، خاصة وأن تلك الكنائس سارت على تقليد الرسل، فكانوا يصنعون أختامًا مختلفة على الخبز، فعلي سبيل المثال اشترك الروم والسريان والأرمن معًا في التراث الروحي المسيحي، والذي يعود إلى الكنيسة قبل الانقسام، وكان يتم وضع الختم على الخبز أثناء خبزه، أي قبل التقديس، كما يراعي أن يأخذ شكل الختم مكانه في القربان في طريقة كسر الخبز أثناء صلاة القسمة، ويُعد هذا مبدأ عام لدي كل الكنائس القبطية، وبشكل خاص في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

ظلت صناعة القربان لقرون طويلة مهنة مستقلة يتوارثها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم، وكانت هناك العديد من الأسر التي تحتكر تلك المهنة، خاصةً في القرى والمناطق الريفية، وفي بعض الأحيان كان صانع القربان يجمع الدقيق والخامات التي يحتاجها من بيوت المسيحيين الذين كانوا يرحبون ويستمتعون بتبرعهم لصناعة القربان المقدس، واليوم اختلف الوضع كثيرًا، وأصبح من حق أي شخص، من الرجال فقط، أن يتطوع لصناعة القربان في الكنيسة، وذلك بجانب الوظيفة الأساسية له، والتي من الممكن أن يكون لها علاقة بالخبز.

يحمل شكل القربان ومراحل تصنعها عدة رموز دينية لها علاقة بشخص السيد المسيح، ويسمي المكان أو المخبز الذي يُصنع به باسم "بيت لحم"، إشارة الي المكان الذي ولد فيه السيد المسيح، ويُصنع من دقيق القمح النقي، وتُصنع عجينه تُذاب مع خميرة في مقدار من الماء، ويتم عجنه بدقة، كما يتم إضافة الماء على مراحل للتحكم في صلابة العجين وليونته، ثم يتم تقطيعه علي شكل دائرة طبقًا للحجم المطلوب لتشكيل القربان، خاصة وأن لكل حجم ختم خاص به.

يوضع القربان في طوايل ويتم تغطيته بقطع من القماش، ويستحسن أن يكون الغطاء من الستور الخاصة بالكنيسة، حتى يكون الغطاء مكرسًا للقربان، ولا يستعمل في شيء آخر غير القربان، علي أن يكون الغطاء محكمًا حتى لا يجف وجه العجين ويتغير شكله ويصبح غير صالحًا، وبعد ان يُصبح العجين جاهزًا، يتم دقه وختمه، حيث يدق القربان بترتيب التقطيع، ويختم بختم مناسب للحجم المطلوب، ونجد حول هذا الختم عبارة يونانية "أجيوس أوثيه أوس" أو "Άγιος ο Θεός"، وتعني باللغة العربية "قدس الله".

بعد أن يُخمر ويُختم القربان يتم عمل ما يُسمي بـ"ختشته"، وهي عبارة عن خمس ثقوب في كل قربانه، وذلك إشارة الي آلام السيد المسيح وهم: الثلاث مسامير، الحربة، وإكليل الشوك، علي ان تكون الثقوب مناسبة لا تحدث لها أي تأثيرات سلبية، فلا تكون غليظة ما ينتج عنها ثقوب كبيرة الحجم، ولا تكون صغيرة غير ظاهرة، وخاصة بعد دخول القربان النار، حيث أن الثقوب تضيق نسبيًا بعد دخول القربان في الفرن.

 

يُخبز القربان بحجمين مختلفين، الحجم الأكبر يسمي "الحمل"، ويستخدم في صلوات القداس، ويشترط ان يُقدم بعدد فردي، ثلاث، أو خمسة أو سبعة قرابين، علي أن يختار منهم القسيس فيما بعد قربانة واحدة فقط ليتم بها عمل طقس القداس، أما الحجم الأصغر من القربان، فيتم بيعه، أو توزيعه مجاناً، وأحيانا يتم تقديمه للشعب الموجود في الكنيسة.

 

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية