أحد أفخم أربعة معاهد بُنيت علي أرض مصر

معهد فؤاد الأول.. أثر أزهري أندلسي الطابع بمحافظة أسيوط

منهج ديني وعلمي رصين، وورثة أنبياء أقاموا تعاليمهم على هذا المنهج، وطلبة علم وعدهم الله بأعلى الدرجات، اجتمعوا داخل مبني أندلسي الطابع، تم انشائه منذ ما يقرب من قرن من الزمان، ليطل علي نيل صعيد مصر الخالد، ويمتزج في مشهد أقل ما يوصف بأنه تواصل بين التاريخ المصري القديم، وحضاراتها الحديثة.

 

منذ أكثر ما يقرب من مائه عام، وتحديدا عام 1930، خرجت نواة أول معهد ديني في محافظة أسيوط، بل في صعيد مصر كلها، فبمجرد أن تطأ بقدميك كورنيش النيل في الطريق إلى شارع الثورة بمدينة أسيوط أمام معهد أسيوط الديني، ستجد نفسك أمام تحفة معمارية أندلسية الطابع، بل أن البعض صنفه ضمن أفخم أربعة معاهد بُنيت علي أرض مصر بنفس الطراز المعماري، بجانب معاهد القاهرة وطنطا والأسكندرية، وإن كان أكثرهم ضخامة وعراقة معمارية.

جاءت فكرة إنشاء المعهد من رحم معاناة محافظة أسيوط، وكان ذلك عام 1915، عندما شق على أهلها إرسال أبنائهم للقاهرة للدراسة بالأزهر الشريف، فقرروا جمع التبرعات لإنشاء معهد ديني بالمحافظة، وما أن انتشر الخبر في ربوع المحروسة، حتي وصل إلي السلطان حسين كامل، فأصدر أمرًا بإنشاء معهدًا تعليميًا لتدريس العلوم الدينية والشرعية، ووقع الاختيار على مسجد اليوسفي ليكون مقرًا للمعهد، وتقدم للدراسة به نحو 200 طالب خضعوا لاختبارات دقيقة، ليصل العدد إلى 154 طالبًا ممثلين اللبنة الأولي للمعهد.

 

مرت السنوات ليضيق مسجد اليوسفي بطلاب التعليم الديني بمحافظة اسيوط، وتأتي المبادرة كالعادة من أهل المدينة الجنوبية، فيقرر الجميع بالتبرع لترميم المسجد الأموي، وفي عام 1923، وأثناء زيارة الملك فؤاد الأول لمحافظة أسيوط، نما إلي علمه أن التسعة آلاف التي جمعها أهل أسيوط لم تكف عملية الترميم، فأصدر مرسومًا ملكيًا بجعل نفقة البناء والترميم على الأوقاف بتكلفة 18 ألف جنيه، وفي عام 1930 وضع حجر الأساس لبناء المعهد على قطعة الأرض بمنطقة الحمراء بجوار نيل أسيوط، وبلغت مساحتها 4 أفدنة و8 قراريط وسهمين، ليكتمل بناؤه على  الطراز الإسلامى الأندلسى بعدها بأربعة سنوات، ليُصبح  قبلة الراغبين في العلم من أبناء الصعيد حتى اليوم.

كان من الطبيعي أن يتغير اسم "معهد فؤاد الأول" بعد ثورة يوليو 1952 ليصبح "معهد أسيوط الأزهري للبنين"، وتتوالى السنين على المعهد حتى صدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1692 لسنة 1987، باعتبار مبنى المعهد وملحقاته ضمن الآثار التاريخية الخاضعة لإشراف وزارة الآثار، وبالتالي فالمعهد اليوم يتبع ثلاث جهات، فهو كمبنى أثري وتاريخي له قيمة كبيرة يتبع وزارة الآثار، ولأن طلبة الأزهر يدرسون به فمن الطبيعي أن يتبع الأزهر الشريف من ناحية الملكية، أما حديقته فتتبع إدارة الحدائق بالأزهر.

 

تتكون تلك التحفة المعمارية من ثلاث مبان، يختص المبنى الأول بالدراسة، ويتكون من الفصول الدراسية وقاعات عرض الأفلام العلمية، وأربعة معامل لعلوم الأحياء والكيمياء والفيزياء وتضم حفريات أثرية ومواد علمية منذ نشأة المعهد، ويتوسط هذا المبنى حديقة مستطيلة بها نافورة رخامية بديعة الصنع، أما المبنى الثاني فهو مسجد كبير استخدم لتعليم الطلاب الخطابة، له مئذنة شاهقة الارتفاع تبلغ 30 مترًا، وخطب به كبار العلماء.

أما الكنز الثمين فيتمثل في المبنى الثالث، فهو لا يقتصر على أماكن معيشة الطلاب الوافدين فقط، ولكنه يضم مكتبة علمية ودينية تعد من أضخم مكتبات مصر، حيث تحتوي علي 22 ألف كتاب ومجلد من نوادر الكتب العلمية في كافة المجالات، وقد اكتسبت تلك القيمة الكبيرة من الكتب التي أمر السلطان حسين كامل بشرائها وإيداعها بالمعهد، وذلك بمجرد علمه بخلو المكان من مكتبة يستعير منها الطلبة والأساتذة الكتب للاطلاع على العلوم المختلفة، وهي موجوة حتى اليوم ومزيلة بالختم القديم للمعهد، وقد أسندت أمانتها للشيخ محمد فاضل بشتك، المدرس بالمعهد حينها.

تحفة معمارية على الطراز الأندلسي، جدران وأبواب ملكية، متحف مفتوح، معامل أثرية، ومكتبة زاخرة .. كل ذلك جعل من المعهد ليس فقط مكان علم وتعليم، ولكنه مقصد للبعثات العلمية وقاصدي المدينة من السياح على حد سواء

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية