درة التاج الإسلامي في مصر

"الحاكم بأمر الله".. رابع أعرق المساجد التي بُنيت في تاريخ المحروسة

مسجد أثري عريق، يُعد رابع دور العبادة الإسلامية القديمة المتبقية في مصر منذ العهد الفاطمي، أسسه الحاكم ليخفف الضغط علي جامع الأزهر الشريف، لكنه تعرض لكثير من المصائب التي أخفت الكثير من معالمه، كما أن تهميشة لسنوات طويلة أدي إلي تحويله لمقرًا لمخازن التجار، إلي أن أفتتحه الرئيس الراحل محمد أنور السادات من جديد، لتتولي فئة شيعية أمر تجديده بجهودهم الذاتية، كونه يحمل مكانة القداسة بالنسبة لهم.

 

لم يكن "مسجد الحاكم بأمر الله"، مجرد جامع أثري العريق، بُني بنهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي، وتحديدًا بحي الجمالية بالقاهرة، ولكنه يُعد أحد أربعة أثار إسلامية باقية منذ العهد القديم، وذلك بعد جامع عمرو بن العاص بالفسطاط، وجامع أحمد بن طولون بالقطائع، وجامع الأزهر الشريف بالقاهرة، يحده من الجانب الشمالي سور القاهرة الشمالي وباب الفتوح، ومن الجنوب منازل حديثة البناء، ومن الناحية الشرقية وكالة قايتباي، أما من الناحية الغربية فيطل على شارع المعز.

في عام 989 ميلادية، راي العزيز بالله الفاطمي، خامس الخلفاء الفاطميين، أن جامع الأزهر الشريف، لم يعد لديه قدرة علي حمل المزيد من المُصلين والدارسين، لذلك بدأ يفكر في بناء مسجد جديد، ولكن عملية البناء لم تكتمل لوفاته، أو اختفائه علي حسب أقاويل بعض الرؤى، وقام باستكمال عملية البناء ابنه "الحاكم بأمر الله"، الخليفة الفاطمي السادس، وتم أفتتاحه عام 1012 ميلادي، ومنها سمي المسجد علي اسم الحاكم، وفي عام 1013 ميلادي، أصدر الحاكم بأمر الله قراراً بتحويل المسجد إلي "جامع" يُدَرَسْ فيه الفقه، ليساعد جامع الأزهر الشريف في استيعاب الدارسين والمصليين.

 

تبلغ المساحة الكلية لمسجد الحاكم بأمر الله حوالي أكثر من 13 ألف متر مربع، حيث يبلغ طوله نحو 120.5 متراً، وعرضه نحو 113 متراً، أي أنهأقل أقل مساحة من مسجد عمرو بن العاص بحوالي 45%، حيث تبلغ مساحة مسجد ابن العاص بحوالي 24 ألف متر مربع.

يعتلي الواجهة البحرية للمسجد مئذنتين ثُمانية الشكل، كل مئذنة تجلس علي قاعدة هرمية الشكل، وبأسفلها قاعدة أخري مكعبه الشكل تخرج عن السور بقليل، ثم ترتفع حتي تصل لارتفاع سور المسجد، وبين هاتين المئذنتين بوابة رئيسية للجامع تخرج عن السور قليلاً، وبنفس مقدار القاعدتين المكعبتين للمئذنتين، يغطيه من أعلي قبو أسطواني الشكل عرضه 3.48 متر وطوله 5.5 متراً، في نهايته باب عرضه 2.21 متراً ومعقود بعقد أفقى من الحجر حديث البناء، وعند المدخل نجد في اليمين واليسار  بعض البقايا من النقوش الجميلة إرتفاعها تصل نحو 1.6 متراً، ومنها يؤدي الي صحن الجامع الذي يحيط به الأواوين.

 

في الجانب الجنوبي الشرقي يقع إيوان قبلة الصلاة، الذي يتكون من خمسة أروقة، وفي كل رواق 17 عقداً، أما الإيوان الشمالي الشرقي فيتكون من رواقين فقط بكل رواق 17 عقداً، أما الإيوانين الشمالي الشرقي والجنوبي الغربي، فيحتوي كل منهما علي ثلاثة أروقة، كل رواق به مجموعة من العقود، وكل هذه العقود محمولة علي مجموعة أكتاف أو أعمده.

قديمًا كانت جميع العقود مغطاة بسقف خشبي مسطح، يحيط بالسقف من أسفله فيما بينه وبين العقود ازار جصى مكتوب عليه بالكتابة الكوفية، وجميع الأكتاف والأعمدة من الطوب الداكن، ويربط الأكتاف بعضها ببعض بأربطة مكسوة بألواح خشبية مزخرفة بنقوش ومحفورة، وكان فوق الأعمدة فرشات خشبية مسطحه تتكون من قطعتين أو ثلاث، وفي نهاية حائط القبلة قبتان محمولتان على مثمن، كما توجد قبة ثالثة أعلي المحراب، وقد هـدمت القبة الشرقية بسبب إقامة سور القاهرة، والذي بناه المملوك "بدر الدين الجمالى"، والملاصق للجدار الشرقي للجامع كما سدت جميع النوافذ في هـذا الجدار أيضا لنفس السبب، وكان يوجد للمسجد تسعة أبواب، بينهم بابان جهة اليمين ولكن تم سدهما بواسطة سور بدر الجمالي، وباب أخر مخصص لخطيب المسجد فقط،

 

أما عن نوافذ المسجد، فللجامع 16 نافذة في كل من الحوائط الجانبية، و17 نافذة في كل من ايوان القبلة والحائط المقابل له، وكان يوجد بكل مئذنة نافذة، أما الحائط الخلفي لإيوان القبلة، فكان يوجد نافذتان على يسار المحراب، ومزخرفة بزخارف نباتية متداخلة بعضها لبعض، ولكن كل هذا قد أختلف عن ما كان بسبب سور بدر الدين الجمالي.

تعرض المسجد لزلزال عنيف سنة 1303 ميلادي، ما أدي لتلف شديد للمسجد، فتهدم كثير من العقود والأعمدة وسقط السقف، كما تهدمت قمتا المئذنتين، وتهدمت جميع أواوين المسجد، ما عدا بعض العقود الموجوده في الإيوانين القبلي والشرقي، لذا أستخدمته وزارة الأوقاف المصرية لفترة من الزمن، ليُصبح مخزنًا لحفظ بعض التحف والآثار الإسلامية، قبل نقلها الي دار الآثار الحالية، واليوم تشغله مدرسة "السلحدار" الابتدائية، وقـد قامت إدارة حفظ الآثار العربية بأصلاح أعمدة النصف الغربي من الايوان القبلى وعقوده.

 

أصبح المسجد مهمشًا لفترات طويلة حتي عهد الرئيس "أنور السادات"، لتتحول إلي مخازن للتجار المحطين بمنطقته، فطالبت إحدي الطوائف الشيعية، وهي طائفة البهرة، بمحاولة تجديده بجهودهم الذاتية كونه مكاناً مقدساً بالنسبة لهم، ومنها دعا الرئيس السادات لإعادة افتتاحه من جديد، ما جعل من البهرة يطورون من عملهم كتجار بجوار المسجد، ولكنه مفتوحًا لجميع الطوائف للصلاة بداخله.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية