إله الموتي عند الفراعنة

"ابن آوي".. الذئب الذي قدسة المصريون القدماء منذ 6 آلاف سنة

حيوان شرس، حاد الطباع، تجذبه رائحة الجيفة، حتى إنه وصف بنباش القبور، ارتباطه بعالم الموتى ووصوله للجثث العفنة ربط اسمه بعالم الأساطير، ما جعل المصري القديم يقدسه ويرفعه إلى أعلى مكانة يمكن أن يصل إليها حيوان، فأصطف في مصاف الآلهة، وأصبح رمزا للإله أنوبيس.

 

لم يكن ذلك الحيوان سوى الذئب المصري، أحد الحيوانات اللاحمة التي تبقت من العالم القديم، عُرف منذ عصور ما قبل الأسرات بإسم "إبن آوي"، عثر الأثريون على عدد من مومياواته المكفنة بالكتان في حفائر حضارة البداري، تعود إلى 4 آلاف سنة قبل الميلاد، وهي تعتبر أقدم الإشارات التي تدل على وجود تقديس لذلك الحيوان، منذ بدايات العصر الحجري النحاسي في مصر.

كما ظهرت رسوم تخطيطية بسيطة له على فخار حضارة نقادة الأولي، التي تمتد من 3900 إلى 3600 قبل الميلاد، وفي حضارة نقادة الثانية التي تمتد بين عامي 3600 وحتى 3200 قبل الميلاد، اتخذ هيئة معبود بشكل صريح، حيث عُثر على تمائم تصوره كمعبود في شرق الدلتا ونقادة، وفي نهاية عصر نقادة الثالثة ارتبط بالملكية، فظهر ضمن ألوية المعبودات المنقوشة على مقمعتي العقرب ونعرمر.

 

عندما لاحظ المصريون القدماء في العصور الفرعونية السحيقة عادات ذلك الذئب تجاه الجثث، تخوفوا من عدم القدرة على البعث والوصول إلى الحياة الأخرى، فأتخذوه رمزا للإله "أنوبيس" إله الموت والتحنيط، حامي المقابر، وعادة ما كان يصور على هيئة رجل برأس ذئب، يرتدي أوشحة ويمسك بيديه مفتاح الحياة، ورغم أنه ذهبي اللون، إلا أن المصريون القدماء كانوا يلونون رأسه باللون الأسود، لأنه يمثل ظلام الموت.

وفي الحضارة الإغريقية القديمة ظهر ابن آوي على هيئة الإله "هيرميز" رسول الآلهة الإغريقية، وثاني أصغر آلهة "الأوليمب" وإله البحارة، أيضا ظهر في صورة الوحش الأسطوري الذي يسمى بـ"شيطان الحفرة"، كما توجد قبائل في الهند تسعد حينما يولد لهم طفلا برأسه طرفا يشبه القرن الذي تمتلكه إناث ذلك الذئب الذهبي، اعتقادا منهم أنه يملك حظا جيدا في الحياة، كما ورد ذكر أبن آوي في الكتاب المقدس عدة مرات، يوصف فيه أنه مخلوقا شرير، فقد وصف المزمور 63 أن الكافرون سيصبحون طعاما لبنات آوي.

 

والغريب أن أساطيره مازالت تتواجد في بعض الأماكن كما يحدث في الهند، وهو أكبر أنواع "بنات آوي"، والوحيد الذي ينتشر خارج قارة إفريقيا، من سلالاته البالغ عددهم 12 سلالة، رغم أن الدراسات الوراثية أظهرت أنه لا يرتبط بشكل وثيق بأنواع بنات آوي، وهو حيوان ثديي من فصيلة الكلبيات الغير مهددة بالإنقراض، فهو ينتشر بشكل واسع في شمال وشرق قارة إفريقيا، وفي جنوب شرق أوروبا، وفي آسيا الجنوبية حتى دولة ميانمار التي تُعرف بإسم "بورما"، يُطلق عليه العديد من الأسماء منها ابن آوي الأسيوي، وابن آوي الشرقي، كما عُرف في بلاد الشام بإسم "الواوي"، أما في منتصف أوروبا وتحديدا في دولة "هنغاريا" فأطلق عليه اسم الذئب النمساوي المجري أو ذئب القصب.

رغم اعتماد ابن آوي الذهبي في غذائه على الجيفة بشكل أساسي، إلا إنه قد يفترس بعض الحيوانات المستأنسة كالماشية والدواجن، أو يلجأ لسرقة بقايا طرائد الحيوانات المفترسة الأخرى كالأسود والببور المنتمية لجنس النمور، وعادة ما يقوم بحملات الصيد منفردًا، وإن كان أحيانًا ينضم إلى مجموعات مكونة من 2 إلى 5 ذئاب، وتساعداه حاستي السمع والشم القوية على تتبع فرائسه الصغير والمتوسطة الحجم، من الأرانب البرية، والقوارض، والطيور، والحشرات، والأسماك، والغزلان والظباء السوداء، كما يمكنه اصطياد فرائس أكبر منه حجما، قد تصل إلى 5 أضعاف حجمه، كالحمير والخيول.

 

ورغم إنه لا يثق في البشر ويصعب ترويضه، إلا أن جرأته في الصيد وقوة حواسه، دفعت الإنسان لتهجينه مع أنواع من الكلاب، ففي روسيا قام "كليم سوليموف" الباحث بمؤسسة البحوث العلمية لحماية الإرث الحضاري والبيئة، بتهجينه مع كلاب "الهسكي السيبيرية"، لينتج نوع جديد من الكلاب أطلق عليها "سوليموف"، وهو يحمل صفات ابن آوي ووفاء وإخلاص الكلب، مع صغر حجمها وقدرتها على تحمل درجة حرارة تصل إلى 70 درجة مئوية.

ذلك الحيوان متوسط الحجم، يتراوح طوله بين 70 و 105 سنتيمتر، ويصل ارتفاعه عند الكتفين ما بين 38 و50 سنتيمتر، أما الوزن فعادة ما تكون الذكور أثقل من الإناث بنسبة 15%، حيث تزن بين 7 إلى 15 كيلوجرام، وعادة ما يكون ذلك الذئب في شمال أفريقيا أكبر حجما من الذي يعيش في شرق ووسط أفريقيا، كما أن الأنواع التي تنتشر في المغرب العربي تكون لونها أبهت وخطوطها أضيق من تلك التي تنتشر في شرق أفريقيا وبالأخص في مصر.

 

يغطي جسم ابن آوي فراء قصير خشن، يتدرج لونه من الأصفر إلى الذهبي الباهت، أما أطرافه فتكون ضاربة إلى اللون البني، ومن الغريب أن لونه يتغير باختلاف المكان وفصول السنة، ففي شمال تنزانيا يأخذ اللون الأصفر الضارب إلى البني في موسم الأمطار، ويتحول إلى اللون الذهبي الباهت في موسم الجفاف، أما في المناطق الجبلية فيأخذ اللون الضارب إلى الرمادي بشكل أكبر.

عادة ما تتزاوج بنات آوي من زوج واحد طيلة حياتها، تصل فترة حملها إلى 63 يوما، تلد بعدها ما بين صغيرين إلى 4 صغار، يتراوح وزن الوليد بين 200 إلى 240 جرام، وتستمر فترة الرضاعة ثلاثة شهور، وإن كان الأبوان يبدأن إطعامهم اللحم المتقيأ، وتصل لمرحلة النضج الجنسي عند عمر 11 شهر.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية