أنكرت الوثنية وأقنعت 50 فيلسوف بعبادة الله

"سانت كاترين".. القديسة الطائرة التي إختارت مصر لتقيم أقدم دير في العالم

وصف بإنه الأقدم علي مستوي في العالم، ورغم إنه يقع في منطقة منعزلة في بطن الجبل، إلا أنه أضحى مزارا سياحيا ودينياً كبيرا، يأتي لزيارته الكثير من جميع أنحاء العالم، لما يحمله من قدسية وروحانيات.

 

في جنوب سيناء، وأسفل جبل كاترين أعلى الجبال في مصر، وبالقرب من جبل موسى، يقع دير "سانت كاترين"، سُمي بهذا الإسم نسبة إلى القديسة "كاترين"، والتي ولدت في أواخر القرن الثالث الميلادي من أبوين وثنيين، من سلالة الملوك الأغنياء، كان إسمها قبل أن تعتنق المسيحية "زوروسيا كمونستاس"، وهي إبنة حاكم الإسكندرية في ذلك الوقت.

 

وعندما أمر الإمبراطور الروماني الوثني "مكيسمانيوس" أن يقدم الجميع الذبائح للآلهة، بما فيهم المسيحيون، اعترضت كاثرين قائلة في حضرة الإمبراطور "هناك ملكاَ فى السماء هو خالق السموات والأرض، وهو الذى يجب الخضوع له"، فجمع الإمبراطور 50 من كبار الفلاسفة ليهدموا أفكارها، لكن النتيجة أن الفلاسفة آمنوا بما قالت لهم، وكفروا بأوثانهم، فإنقلب الإمبراطور عليهم وأمر بحرقهم جميعا.

أما بالنسبة لـ"كاترين"، فأمر الإمبراطور بجلدها وتعذيبها في السجن، ثم أمر بتعذيبها بواسطة عجلات بها مسامير تنهش في لحمها عندما تدار ذات اليمين واليسار، عُرفت هذه الآلة بـ"عجلة كاترين"، وأخيرا أمر بقطع رأسها في 25 نوفمبر سنة 307، وبعد استشهادها بخمسة قرون، رأى أحد الرهبان في سيناء رؤية لمجموعة من الملائكة يحملون جثمانها ويطيرون به ليضعوه على قمة أحد الجبال في سيناء، فذهب الراهب إلى قمة الجبل ليجد الجثمان، فحمله إلى كنيسة موسى النبي، ثم نُقل إلى كنيسة التجلي في الدير الذي أمرت ببنائه الإمبراطورة "هيلانة" أم الإمبراطور "قسطنطين" سنة 432، وأكمل بناؤه الإمبراطور "جوستنيان" سنة 545، وأطلقوا عليه إسمها.

 

وهو دير معتزل، لا يخضع لسلطة أية بطريرك أو مجمع مقدس، وإنما يديره رئيس الدير، وهو "أسقف سيناء"، لكن تربطه علاقة وطيدة مع بطريرك القدس، لذلك يذكر إسمه في القداسات، رغم أن الوصاية على الدير كانت لفترات طويلة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، حتى رهبان وكهنة الدير كانوا من اليونانيين وليسوا عرباَ أو مصريين.

 

يتبع رهبان الدير نظام القديس باسيليوس الكبير، أحد تلاميذ الأنبا باخوم، حيث ينذر الراهب نفسه لحياة التقشف والعبادة، وفي عام 2002 قررت لجنة اليونسكو إدراج المنطقة ضمن قائمة التراث العالمي.

يحيط الدير سور عظيم يتدرج إرتفاعه بين 12 و 15 متر، هذا السور يحتضن عدة أبنية داخلية، وهو يشبه في بناؤه حصون القرون الوسطي، فهو مشيد بأحجار الجرانيت، ويوجد في أركانه أبراج للمراقبة، وتعتبر كنيسة التجلي التي ترجع إلى عهد الإمبراطور جيستيان من أهم المباني الموجودة في الجزء الشمالي من الدير، وقد صممت على شكل البازيليكا الرومانية.

 

بداخل الكنيسة يوجد صفان من الأعمدة، عبارة عن 12 عامود يمثلوا شهور السنة، وعلى كل جانب يوجد 4 هياكل، يحمل كل منها اسم أحد القديسين، وفي مقدمة الكنيسة توجد حنية مستديرة، زين سقفها وجوانبها بالفسيفساء، وأسفلها يوجد التابوت الذي وضعت داخله بقايا جثة القديسة "كاترين" داخل صندوقين من الفضة، أما أقدس مكان في الكنيسة فهو هيكل الشجرة الذي يعتقد أن موسى وقف فيه عندما تجلى الله له وخاطبه.

كما يوجد بالدير الكنيسة الصغيرة التي شيدت فوق جبل موسى، وكنيسة الموتى وهي عبارة عن حجرة لحفظ جماجم الموتى، وكنيسة العليقة التي توجد خلف كنيسة الدير الرئيسية، بالإضافة إلى مقام النبي هارون، كما يوجد مسجد الحاكم بأمر الله، وهو مسجد صغير أقامه الوزير أبو النصر أنوشطاقين سنة 1106، ليحمي الدير من الهجمات التي يتعرض لها من وقت إلى آخر، وإن كان بعض المستشرقين يرون أن بناء المسجد داخل الدير كان نوعا من أنواع فرض السيطرة الإسلامية في ذلك الوقت، أيضا يحتوي الدير على مكتبة غنية بالمخطوطات النادرة، وهي ثاني أكبر مكتبات المخطوطات بعد الفاتيكان.

 

كان المدخل الوحيد للدير عبارة عن باب صغير على ارتفاع 30 قدما، وقد صُمم لحماية الدير من الدخلاء، فكان الناس يرفعون ويدلون بصندوق يحركه نظام من الروافع والبكرات، أما الآن فهناك باب صغير أسفل سور الدير يمكن استخدامة لدخوله.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية