حيوان مفترس، حاد الطباع، شديد القوة، عاش على سطح الأرض في العصر الطباشريري، منذ أكثر من 84 مليون سنة، ويعتبر من أشرس الحيوانات المفترسة التي سيطرت على الأرض قبل عصر الديناصورات.
رغم أن المصري القديم لم يعرف تقديس الحيوانات، إلا أن مخطوطات المؤرخ اليوناني هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد، أشارت إلى أنه كان محل خلاف بين المصريين، فالبعض يرونه كائنا مقدسا، والبعض الآخر يشعرون بإشمئزاز منه، ولا يتركون فرصة لمهاجمته.
"التمساح النيلي" . وصف بأنه أكبر الكائنات المفترسة في المياه العذبة، وثاني أكبر الزواحب بعد التمساح البحري، قديما احتل مكانة خاصة عند المصريين القدماء، وجاءت النقوش في معبد كوم أمبو، والتي تعود إلى عام 117 قبل الميلاد، لتظهر لنا مدى تقديس المصري القديم لتلك الزواحف، تلك النقوش تظهر الآلهة وهي تقدم الملك إلى الإله "سوبك"، وهو إسم فرعوني يعني "الإله التمساح"، الذي صوره المصري القديم على جدران المعابد والمقابر على شكل جسم إنسان ورأس تمساح.
ورغم أن أكتشاف مومياوات التماسيح المحنطة تؤكد أن عبادته كانت في كل بقاع مصر، إلا أن مركز عبادته كانت في كوم أمبو والفيوم، فنرى في كوم أمبو معبدي الإله "سوب" والإله "حورس"، أما في الفيوم، فهناك مدينة تم بناؤها بإسم مدينة "التمساح"، فيوجد بها أقدم بناء لعبادته وهو معبد "الإله سوبك"، الذي أنشئ في القرن الـ19 قبل الميلاد.
إزدهرت عبادة الإله "سوبك" وتطورت كثيرا في القرنين الثامن عشر والسابع عشر قبل الميلاد، وظهر هذا جليا عندما إتخذ عدد من حكام الأسرة الثالثة عشر أسماء مرتبطة به، مثل "سوبك حتب" و "سوبك نفر"، حتى أضحت عبادة التمساح في الدولة الوسطى مشابهة في عظمتها لعبادة الإله آمون، كما عُبد التمساح على شكل "سوبك رع" كأحد مظاهر إله الشمس، كما أتخذ كشعار لستة من أقاليم مصر العليا.
ويعد "التمساح النيلي" من أضخم الزواحف المفترسة التي توجد في المياه العذبة، وثاني أكبر الزواحف في العالم بعد التمساح البحري، وهو ينتمي إلى فصيلة التمساحيات، يصل أقصى طول له إلى حوالي 6.5 متر من الرأس إلى طرف الذيل، ويزن عادة حوالي 225 كيلوجراما، لكن يمكن أن يصل وزنه في بعض الأحيان إلى حوالي 730 كيلوجراما.
رغم أن التمساح يمتلك رئتين، غير إنه قادر على البقاء فترات طويلة تحت الماء، ظهره مغطى بحراشيف منيعة يصعب اختراقها بالسهام والرماح، له أربعة أقدام قصيرة، تمكنه من السير على الأرض الرطبة بسرعة، وذيل قوي طويل مضغوط من الجانبين، فكاه مصفوفان بأسنان مخروطية طويلة يمكن استبدالها، ويوجد بالفك الأعلى 60 نابا، وبالفك الأسفل 40 نابا، تمكنه من سحب أكبر حيوانات البرية إذا إقتربت من الشاطئ، أما عضلات فكه القوية فتساعده بالقبض فترات طويلة على الفريسة تحت الماء، ثم يلف ليتأكد من غرقها، كما يمتلك قطعة صلبة على قمة فكه تسمى أسنان البيض، وهي الأسنان التي يستخدمها لتقشير البيض لحظة فقسه.
يتغذى تمساح النيل على أنواع مختلفة من الفرائس، فيفترس أي حيوان يقترب منه، ولديه القدرة على جذب جاموس بري كبير، وهو يأكل فريسته بالكامل، بما في ذلك عظامها وقرونها، وكعادة الحيوانات المفترسة المتربصة بغنائمها، يمكنه أن ينتظر فريسته بالساعات والأيام وحتى الأسابيع بصبر كبير حتى تقترب منه ويتمكن من اقتناصها، ولا ينجو من هجومه الخاطف أي حيوان حتى وإن كان من الحيوانات المفترسة الخفيفة الحركة، ورغم ذلك يمكنه أن يعيش دون طعام لـ47 يوما.
أما عن موطنه، فقد أكدت جميع الدراسات أنه ينتشر في نطاق واسع، في جميع أنحاء القارة السمراء، خاصة جنوب الصحراء الكبرى في المناطق الوسطي والشرقية والجنوبية من القارة، وعادة ما يعيش هذا النوع من الزواحف في البحيرات والأنهار العذبة، ويفضل المساحات الواسعة من المياه الضحلة والأنهار الراكدة والمستنقعات المفتوحة، ورغم إنه قادر على التأقلم والعيش في المياه المالحة، لكن نادرا ما يتواجد فيها، وإن كان في بعض الأحيان يقطن الدلتا والبحيرات المالحة.
قديما انتشر تمساح النيلي من إثيوبيا إلي المتوسط، فكان يمكن مشاهدته على طول النهر وهو مستلقي على الرمال، لكن مع بناء السد العالي أصبح مقتصرا حتي بحيرة ناصر، وعادة ما يُشاهد وهو يتشمس على الامتدادات الرملية للبحيرة في تجمعات كبيرة، فهو كائن اجتماعي فيما بينه، يتشارك في كل شئ بداية من الشمس وحتى مصادر الغذاء والفرائس الضخمة.
عادة ما تتبع تلك الزواحف قواعد صارمة لا تتمرد عليها أبدا، فالذكور الكبيرة والأكبر سنا، يكون لها الأولوية في الحصول على الغذاء، وفي إختيار أفضل الأماكن للتشمس، أما إذا تمردت بعضها فتكون النتائج دموية، وقد تصل إلى قتل بعضها البعض.
ومثل معظم الزواحف، تضع التماسيح بيضا يشبه بيض الدجاج، وإن كان أكبر منه حجما، وقشرته أقل بريقا، ويعتبر فصل الصيف موسما للتكاثر، وهم يتزاوجون في الماء الضحل، وتعشش الإناث على حواف الشواطئ الرملية، أو ضفاف النهر، ويمكن أن تضع الأنثى من 25 إلى 100 بيضة، تخفي بيضها في أعشاش من الفضلات والنبات أو تدفنه في رمل الشواطئ، تقوم الأنثى برعاية عشها، وتدافع عنه بقوة، حتى يفقس البيض بعد ثلاثة أشهر من وضعه، فتحمل صغارها في أفواهها وتنقلهم إلى المياه، ويعتبر النمس وأبو قردان أكبر الأخطار التي تستهدف بيض التمساح.
تضم عائلة التمساح النيلي 3 أجناس و14 نوعا، وتمساح النيل هو الأكبر بين التماسيح الموجودة في إفريقيا، والأخطر لأنه مشهور بمهاجمته للإنسان، ويمكنه أن يعيش في الحياة البرية لمدة تصل إلى 45 سنة، أما إذا تم صيده ليعيش في حدائق عامة فقد يصل عمره إلى 80 سنة.
"دموع التماسيح".. عبارة شهيرة للمصريين وصفوا بها دموع الندم المزيف، فعادة ما يشاهد التمساح وهو يبكي بعد تناول فريسته، والحقيقة أن تلك الدموع ليست ندما أو إشفاقا على الضحية، وإنما هي عملية تطهير مستمرة للعين، فتمساح النيل مثل كل أنواع التماسيح الموجودة في العالم، يمتلك جفنا ثالثا لحماية عينه من المياه، كما يمتلك غددا دمعية تقوم بتطهير العين من الدماء المتطايرة من الضحية أو ذرات الرمال والطين المتطايرة وقت إلتهامه الفريسة.
رغم قوة التمساح وشراسته إلا إنه لا يحتمل الإجهاد البدني، حتى أن بعض البشر يقتلونه عن طريق الإجهاد، وهذا بسبب ارتفاع نسبة حامض اللبنيك في الدم، هذا الحامض يساعده على الجلوس دون حراك لفترات طويلة، فيمكنه أن يجلس بسكون تام لمدة ساعتين، ومع الإجهاد قد يرتفع هذا الحامض في الدم إلى نسب يمكن أن تقتله.
يوجد في مصر أكبر متحف عالمي يقام من أجل حيوان واحد، وهو "متحف التماسيح" الموجود بجوار معبد كوم أمبو، يضم 22 تمساحا محنطا منذ العصور الفرعونية، من بين 50 تمساحا تم العثور عليهم في المنطقة القريبة من المعبد، هذه الهياكل المحنطة لتماسيح مختلفة في الأعمار والأطوال، فبعضها كانت مجرد أجنة، وبعضها صغيرة وكبيرة السن، وتختلف أطوالها وإن كان أكبرها يصل إلى 5.5 متر، بالإضافة إلى 8 تماسيح في توابيت ولفائف الدفن.
ويستعرض المتحف كيفية تحنيط التماسيح من خلال خمس مومياوات توضح مراحل وكيفية تحنيط التماسيح والتي كانت تتم بنفس الدقة التي يتم إتباعها عند تحنيط الملوك أو الأفراد عموما، بالإضافة إلى عرض المحفة وهي عبارة عن ترابيزة من الخشب يوضع عليها التماسيح المحنطة ويقدم لها القرابين وتوجد داخل المقبرة كمقصورة خشبية.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية