تسعة أنواع تستوطن أفريقيا فقط

"الآنسة الخرساء".. أعلى حيوانات الغابة إرتفاعاً وأطولهم لساناً

"الآنسة الخرساء".. هكذا عُرفت باللغة السريانية القديمة، رغم أن علماء الحياة البرية أكدوا على أنها قادرة علي التواصل مع بعضها البعض عن طريق إطلاق ذبذبات خاصة، إلا أنهم مازالوا يطلقون عليها هذا اللقب لمجرد إنها لا تصدر صوتاً مسموعاً، وحُجتهم في ذلك أن جهازها الصوتي لم يكتمل علي الإطلاق.

 

الطريف أن "الزرافة"، أو "الآنسة الخرساء"، رغم ذلك تملك أطول لسان بين الحيوانات، يبلغ طوله 46 سم، تستعمله بمهارة في التقاط أوراق الشجر من بين أوراق الأشجار الشوكية دون أن يلحقها أذى.

 

رغم ما عُرف عن الزرافة من رقة ووداعة، إلا إنها تهاجم أعدائها بمنتهى القوة والشراسة، إما بتوجيه ركلة قوية، أو بضربة من رأسها تنزل على مهاجمها من علو وكأنها مطرقة قادرة على تهشيم جمجته وعموده الفقري، ويكفي أن ملك الأسد الغابة لا يمكنه أن يهاجمها إلا خِلسة، وعادة ما يهاجمها وهي تشرب من نبع المياه.

تتصف الزرافة بأنها حيوان غير إجتماعي، فدائما ما نراها تعيش في تجمعات صغيرة، لا يرتبط أفرادها برباط وثيق، وعادة ما تنفصل بعض الأفراد لتنضم الي أفراد أخرى غريبة للمجموعة، وغالبا لا يزيد عدد تلك المجموعة عن 32 زرافة، أكثر المجموعات استقرار هي المجموعات التي تتكون من الإناث وصغارهم، أما الذكور فلا تستقر في الجماعة، ولا تساعد إناثها في تربية صغارهم.

 

رغم إن الزراف من الحيوانات المهدد بالإنقراض طبقا للقائمة الحمراء، حيث تناقصت أعدادها أكثر من 40% منذ الثمانينات، إلا إنها تنتشر في القارة الإفريقية من تشاد شمالا حتى جنوب إفريقيا جنوبا، ومن النيجر غربا إلى الصومال شرقا، وهي من أوائل الحيوانات التي استطاع المصريون القدماء ترويضها واستئناسها، بل وتشير إحدي البرديات إلى إنهم كانوا يعتقدون خطأ أنها نتاج تزاوج الفهد والجمل، وهي حيوان ثديي من فصيلة الزرافات، التي لم يبق من أنواعها على قيد الحياة سوى الزرافة وحيوان الأكاب.

 

الزرافة أطول حيوانات الغابة بلا منازع، حيث يبلغ ارتفاعها 6 أمتار، تمتلك أطول عنق بين الحيوانات، به أقل عدد من العظام لأي مخلوق آخر، فلا يوجد به سوى 7 فقرات فقط، بينما يوجد بعنق البطة 10 عظمات، وللبجع 23 عظمة، أما خطوط الرقبة فلا تتشابه زرافة مع أخرى، حتى أنها تعتبر بمثابة البصمة عند الإنسان.

 

يتميز قلب الزراف بضخامة حجمه، فهو يزن أكثر من 11 كيلوجرام، أي حوالي 20 ضعف قلب الإنسان، قادر على ضخ 72 لترا من الدم في الدقيقة الواحدة، وهذا ما يجعله قادرا على توصيل الدم إلى رأسها الذي يبعد عن القلب مسافة 3.5 متر، ومن عجائب الخلق في الزرافة وجود سلسلة من الصمامات والأوعية الدموية في الوريد الوداجي، وهي تعمل على إبطاء تدفق الدم إلى المخ عندما يكون رأس الزرافة على الأرض، وإلا عانت من أزمة مخية حادة.

تستطيع الزرافة تحمل العطش، ويمكنها أن تصبر على قلة المياه لأسابيع، مكتفية بما في أوراق الشجر من مياه قليلة، كما يمكنها أن تجتر ما تختزنه من مياه، فهي تعي خطورة الاقتراب من مصادر المياه، فعادة يختبئ الأسد منتظرا فريسته، وحينما تجف أوراق الشجر تضطر للخروج إلى أقرب مجري نهري، تخرج في تجمعات وتسير ببطء، يتقدمهم كبير الزراف، ويتبعه البقية، وعندما يتوقف ليشم الهواء من حوله، تتوقف كل الزراف، وعندما يطمأن يستمر حتى يصل إلى المجري النهري، فيتقدم البعض ليشرب ويقف البعض الآخر ليراقب الموقف.

 

يعاني الزراف كثيرا في التعامل مع طول ساقية، فأمام مجري النهر نجده يباعد بين ساقية ليتمكن من الشرب، فساقية الاماميتين الطويلتين لا تمكنه من الإنحناء بسهولة، وهو ما يستغلة أعدائها، فنجدهم ينتظرون لحظة انخفاض رأسها لينقضوا عليها، رغم أن طول ساقيها يساعداها دائماً على الجري بسرعة تصل إلى 45 كيلومترا في الساعة.

 

تمتد فترة حمل الأنثى ما بين 14 و15 شهرا، تلد بعدها وهي واقفة مولود واحد فقط، وبمجرد أن يسقط المولود على الأرض تنفجر المشيمة المحيطة به، ويكون طوله وقت ولادته حوالي 1.8 متر، يتحرك بعد ساعات من ولادته، وتستمر فترة الرضاعة حوالي سنة، وعادة ما يتواجد بجوار أمه خوفا من الحيوانات الأفريقية المفترسة، والتي عادة ما تستهدفه، ويصل الذكر إلى مرحلة البلوغ في سن 4 سنوات، والأنثى عند 3 سنوات ونصف, ويمكنها أن تعيش أكثر من 25 سنة.

يوجد تسعة أنواع من الزراف، علي رأسها الزرافة النوبية التي تنتشر في شرق جنوب السودان، وجنوب غرب إثيوبيا، والزرافة الشبكية التي تقطن شمال شرق كينيا، وجنوب إثيوبيا، والصومال، والزرافة الأنجولية التي تنتشر في شمال ناميبيا، وجنوب غرب زامبيا وبوتسوانا، وغربي زيمبابوي، والزرافة الكردفانية التي تنتشر عبر جنوبي التشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، وشمال الكاميرون، وشمال شرق الكونغو الديمقراطية.

 

كما توجد زرافة الماساي التي تنتشر في أواسط وجنوب كينيا وفي تنزانيا، وزرافة روثتشيلد والتي تنتشر في أوغندا وكينيا، والزرافة الجنوب إفريقية التي تنتشر في شمال جنوب إفريقيا، وجنوب بوتسوانا وجنوب غرب الموزمبيق، والزرافة الروديسية التي تنتشر في وادي لونكوا في شرق زامبيا، والزرافة الغرب إفريقية التي تنتشر في جنوب غرب النيجر، وهو النوع الأكثر عرضة للإنقراض، فعددها في البرية يقل عن 220 رأس.

 

بيت الزراف

 

هل توقعت يوما أن تشرب فنجان قهوتك بصحبة أطول حيوان في العالم؟، أو أن يشاركك طعام الافطار زرافة تحاول التودد إليك؟، هذا ما استطاع أن يحققه الأمريكي "جون ليسلي ميلفيلي"، فقد أنشأ وزوجته ما يعرف باسم "بيت الزرافات"، وهو فندق في قلب ضاحية لانجاتا في العاصمة الكينية، بناه السير ديفيد دونكان عام 1932 وسط مساحة من الأرض تبلغ 150 هكتارا، تنتهي بضفة نهر مباجاثي، وهو الحد الجنوبي لمدينة نيروبي.

وفي عام 1974 قام "ميلفيلي" وزوجته بشراءه، كما يرجع لهما الفضل في إنشاء الجمعية الأفريقية للحفاظ على الحيوانات البرية المهددة بالانقراض، وقام الزوجان بنقل زوج من صغار زرافات روتشيلد التي كانت مهددة بالإنقراض في ذلك الوقت، فتكاثرت داخل الفندق، وأنتجت العديد من أجيال الزراف القوية.

 

بعد وفاه "ميلفيلي" قررت زوجته فتح بيتها كمزار سياحي، وكتبت عليه "بيت الزرافات للزيارة"، واليوم لا يوجد برنامج سياحي لدولة كينيا يخلو من زيارة هذا البيت والإقامة فيه للمكوث بصحبة الزرافات البرية الودودة، والتمتع بمشاهدة الكثير من الطيور البرية النادرة وغيرها من فصائل الحيوانات البرية التي أتخذت من بيت الزراف مأوى لها.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية