وقف السلطان قايتباي علي شاطئ الإسكندرية

"قلعة قايتباي".. حارس الساحل الشمالي.. الوريث الشرعي لإحدي عجائب الدنيا السبع

وقف السلطان قايتباي علي شاطئ الإسكندرية متزمراً، لم تعجبه تلك الحالة التي ووصلت إليها تلك المدينة البائسة، فرغم إنها البوابة الشمالية لمصر المحروسة، لم يكن لها أي سور أو قلعة تحميها، منذ أن هدأت زلازل ساحل المتوسط، التي دمرت حصون الإسكندرية وأسوارها ومنارتها القابعة في جزيرة فاروس، لم يكن للمدينة حصن يحميها.

 

"من يحمي مصر من غزاة الشمال.. العثمانيين في الشرق والأوروبيين في الغرب".. كان هذا لسان حال السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي، ففي صيف 1477 وقف علي شاطئ الإسكندرية ينظر إلي أنقاض حصونها، لقد تعرضت المدينة لأسوأ الهزات الأرضية، بدأت في 1303 في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وأدت إلي دمار أحد أهم معالم مدينة الأسكندر، بل أحد عجائب الدنيا السبع، منارة الإسكندرية.

قام السلطان المملوكي قايتباي ببناء حصن للمدينة لحمايتها في نفس موقع المنارة والمعروفة الآن بـ"قلعة قايتباي"، على مساحة قدرها 17550 متر مربع، تحيط بها مجموعة من الأسوار بنيت خصيصا لزيادة تحصينها، يتكون من سورين كبيرين من الأحجار الضخمة، تحيط بالقلعة من الخارج والداخل، الأول خارجي يحيط بالقلعة من الجهات الأربع، الشرقي منه يطل على البحر ويبلغ عرضه مترين، وارتفاعه ثمانية أمتار، ولا يتخلله أي أبراج، أما الغربي فهو عبارة عن سور ضخم، سمكه أكبر من باقي أسوار القلعة، يتخلله ثلاثة أبراج مستديرة، ويعد هذا السور أقدم الأجزاء الباقية، أما الجنوبي فيطل على الميناء الشرقي، ويتخلله ثلاثة أبراج مستديرة ويتوسطه باب، أما الشمالي فيطل على البحر مباشرة، وينقسم إلى قسمين الجزء السفلي منه عبارة عن ممر كبير مسقوف، بني فوق الصخر مباشرة، به عدة حجرات، أما الجزء العلوي فهو عبارة عن ممر به فتحات ضيقة تطل على البحر.

 

الأسوار الداخلية لقلعة قايتباي بنيت من الحجر وتحيط بالبرج الرئيسي من جميع جهاته، ما عدا الجهة الشمالية، يتخلله من الداخل مجموعة من الحجرات المتجاورة، أُعدت كثكنات للجند، وهي خالية من أي فتحات عدا فتحات الأبواب، وفتحات مزاغل، خصصت لتكون فتحات للتهوية من ناحية، وكفتحات للدفاع من ناحية أخرى، والبرج الرئيسي للقلعة فإنه يقع بالناحية الشمالية الغربية من مساحة القلعة، والبرج الرئيسي للقلعة عبارة عن بناء مكون من ثلاثة طوابق، مربع الشكل، يخرج من كل ركن من أركانه الأربعة برج دائري، يرتفع عن سطح البرج الرئيسي وقد بني البرج بالحجر الجيري الصلد.

حارس الساحل الشمالي

 

طيلة ستة قرون مضت وقفت قلعة قايتباي حارساً للساحل الشمالي، وتعتبر واحدة من المعاقل الدفاعية الأكثر أهمية، ليس على مستوى مصر فقط، ولكن أيضاً على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقفت حائط صد منيع طيلة العصر المملوكي والعثماني، وحتي العصر الحديث، حتي حدث الإحتلال البريطاني عام 1882، فتعرضت للتجاهل الشديد.

 

طيلة ستة قرون لم تسقط القلعة سوي ثلاثة مرات فقط، الأولي مع حالة الضعف الشديد التي دبت في أوصال دولة المماليك، فنجح العثمانيون في السيطرة على مصر، وبالتالي القلعة والتي عاد الإهتمام بها مجددا، فزودت بالجند والعتاد، بعد أن أدركوا أهميتها العسكرية، وخاصة مع ما كان يشهده البحر المتوسط من اضطرابات، والثانية في القرن الثامن عشر الميلادي على يد نابليون بونابرت عام 1798.

ورغم قيام محمد علي باشا ومن لحقه من حكام بتأمين القلعة، إلا أنها عاودت السقوط مرة ثالثة أمام ضربات المدفعية البريطانية، والتي أصابتها إصابات مباشرة أثرت على مبناها العتيق، وعلى مدار السنوات التي لحقت احتلال الإنجليز لمصر، جرى إهمال أمر قلعة قايتباي، حتى تحولت إلى أطلال، وتداركتها في نهاية المطاف عناية لجنة حفظ الآثار العربية في عام 1904، فأعادت ترميمها بالكامل على هدى الرسوم والتصميمات التي سجلها علماء الحملة الفرنسية في كتابهم الشهير ''وصف مصر".

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية