لم يتبقي من المدرسة إلا غرفة..

"المدرسة الظاهرية".. المماليك يزينون شارع المعز ثمانية قرون

بمجرد أن وضعت معركة عين جالوت أوﺯﺍﺭﻫﺎ، واستقر للملك الظاهر ركن الدين بيبرس العلائي البُندُقدارِي حكم مصر، عاد إلي مصر في 1261 ميلادية ليُعيد بناؤها، كان أول ما فكر فيه إعادة تشكيل الحياة التعليمية، فبدأ بتأسيس المدارس المختلفة في القاهرة الفاطمية.

 

كان للمدرسة الظاهرية السبق في الظهور، فبعد أقل من عامين فقط شرع الملك بيبرس في تأسيسها، لتصبح أول مدرسة في مصر ذات تخطيط متعامد، إلا أنها لم تُدرّس الفقه فقط، حيث درست إلى جانب المذهبين الشافعي والحنفي، الحديث وقراءة القرآن، فرتب لتدريس الأولي تقي الدين بن رزين، والثانية محب الدين عبد الرحمن بن الكمال عمر بن العديم، ولتدريس الحديث الحافظ شرف الدين الدمياطي، ولإقراء القراءات بالروايات كمال الدين القرشي، ووقف بها خِزانَة كُتُب تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم.

 

قد لا يعرف الكثيرون عن تلك المدرسة أي شيء، رغم أنها أحد أهم معالم شارع المعز في القاهرة الفاطمية، ما زالت تقف شاهدة علي عظمة عصر الدولة المملوكية، وبقاياها تقف شامخة في مواجهة مجموعة السلطان قلاوون الشهيرة.

 

لم يتبق من المدرسة الظاهرية سوي غرفة مستطيلة الشكل، يعلوها رنك أو شارة السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، ولها باب خشبي مُطل علي شارع المعز، يعلوه بقايا نص تأسيسي علي جانبي الباب، إضافة إلي بقايا عقد يبدو أنه من بقايا مدخل المدرسة.

 

أعلي حجرة المدرسة بقايا مئذنة كانت مرتفعة، وشامخة يوماً ما، وتوازي ارتفاع مجموعة السلطان قلاوون، المواجهة للمدرسة.

 

وتظهر المدرسة الظاهرية في صور الرحالة الغربيين مكتملة، ولها مئذنة وقبة وسبيل، والحجرة المتبقية من المدرسة هى السبيل، الذي كان يطل على الشارع.

 

كدارسين للتاريخ المصري اعتدنا في العمارة الإسلامية للمدارس أن يكون من ضمن مكوناتها سبيل، لخدمة أبنائها الطلبة وأبناء الحي، وهو الأثر الباقي حتي الآن، وقد حولته وزارة الآثار لمقر لعمال شارع المعز في إجراء غير مفهوم منها.

 

في القرن الثامن عشر قررت لجنة تخطيط الطريق، فتح شارع يصل ما بين المعز وحي الجمالية، وهو المسمى حاليا بشارع بيت القاضي، ويبدو أن لجنة تخطيط الطريق لم تحترم أي معايير خاصة بالحفاظ علي الآثار، فقامت بإزالة المدرسة وحولتها لأثر بعد عين.

 

أما اليوم فلم يعد يتبقي من المدرسة سوي تلك الغرفة، يعلوها رنك السلطان الظاهر بيبرس، وهو عبارة عن فهدين متقابلين، والرنك هو الشارة المميزة للسلطان، والذي يميز مبانيه، وإنشاءاته المعمارية، ويميز كذلك مماليكه التابعين له، ويميز أوامره السلطانية، وقد اشتهرت الدولة المملوكية بكثرة الرنوك التي تشير إلى سلاطينها، ومماليكهم، وسيكون لنا لقاء آخر مع جولة في رنوك المماليك، حيث تعددت ما بين رنوك زمزية على شكل حيوان أو طائر، وما بين رنوك كتابية وأشهرها رنك السلطان قايتباي.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية