منذ قرن مضي، وتحديدا في عام 1918، أعلن مفتش الآثار المصري "أنطون أفندي يوسف"، والذي كان يعمل لسنوات طويلة مع بعض البعثات الأثرية الأجنبية، عن أول اكتشافات منطقة تونا الجبل بمحافظة المنيا، وذلك حينما عثر على جدار أثري، وأرسل تقريره إلى مصلحة الآثار في ذلك الوقت قائلا: "إنه عثر على ما يبدو أنه معبد"، قرر في تلك اللحظة "جوستاف ليفافر"، المسئول عن المصلحة، أن يترك مكتبه في القاهرة ليكتشف مقبرة "بيتوزيرس" في 1919.
طيلة 100 عام مضت أخرجت منطقة تونا الجبل، والتي تُعد أحد أهم المواقع الأثرية بمحافظة المنيا الكثير من الأسرار التاريخية، فعلي أرضها عُثر علي أقدم لوحات الملك اخناتون، والتي أطلق عليها اسم "أخت أتون"، ومنذ أربعة عقود، تحديدا عام 1978، حصلت جامعة المنيا علي أول ترخيص لها للتنقيب عن الآثار في تونا الجبل، ولكنها، ولظروف مالية لم تبدأ الحفائر إلا في عام 2017، وذلك بتفعيل عمل مركز الآثار والبحوث والدراسات الأثرية.
"الشواهد الأثرية كانت الدليل الذي اعتمد علية فريق جامعة المنيا داخل تونا الجبل".. هكذا بدأ الدكتور الطيب سيد عباس نائب رئيس بعثة جامعة المنيا حديثه، موضحًا أن تلك الشواهد قد تمتد لمئات الكيلومترات، وإنها قد تمثل بعض البقايا الأثرية، كالفخار أو القواعد والحوائط الأثرية، وفي محيط تلك الشواهد تبدأ عملية الاستقصاء الإحصائي للمنطقة، لتبدأ الحفائر في محيط موقع اللوحة الدينية الخاصة بالملك إخناتون، ليتم الكشف عن بعض المقابر الجماعية للبشر لأول مرة، خاصة وأن تونا الجبل اشتهرت طويلًا بأنها مقر لدفن طيور الإيبيس وبيضها وقردة البابون، وهي الحيوانات المقدسة للإله "تحوت".
وطيلة موسمين كشفت الحفائر عن ستة أبيار أو ستة مقابر، خلال موسمين، أحد المقابر فقيرة، والأخرى كانت غنية بالمقتنيات، وجد داخل تلك المدافن حوالي 40 مومياء في حالة جيدة علي بُعد 7 أمتار، وتابوت ضخم، وثلاثة فتحات مرتبطة بالمقبرة، بكل فتحة 3 توابيت مغلقة بداخلها بقايا عظمية، ما يعني أن تلك التوابيت أعيد استخدامها في عصور لاحقة لدفنها وتم استخدامها لدفن جثث لبعض العامة من المصريين، وان كان التاريخ الزمني لمنطقة عمل جامعة المنيا، وطبقًا للحفائر، تنتمي لفترات زمنية تاريخية متعاقبة من عصور متأخرة تصل إلي نهاية العصرين البطلمي والروماني.
أما عن التوابيت التي تم العثور عليها في المقابر الفقيرة، فيقول نائب رئيس بعثة جامعة المنيا، أن التوابيت وجدت مُحطمة، وذلك لأن طريقة الدفن لم تكن بالشكل المعتاد به في مصر، حيث كان يتم إدخال التوابيت علي قطعتين، ثم يتم لحام التابوت داخل المقبرة، كما أن الحجارة التي استخدمت في صناعة التوابيت كانت رديئة، ما يدل علي أن صاحبها لم يكن ذو شأن، يحيط بها عدد من الجثث لأشخاص لم يكن لهم توابيت، بل وينتمون لعصور مختلفة، ما يعني أن تلك المقابر كانت لكل العصور.
أما عن طبيعة عمل بعثة جامعة المنيا في منطقة تونا الجبل التاريخية، فيؤكد الدكتور الطيب أن بعثته تقوم بعمل دراسات علي المومياوات، والتي تنتمي لمراحل عمرية مختلفة، بينهم 15 مومياء لأطفال، والأبحاث التي يتم إجراؤها حاليا تستهدف الإجابة علي بعض الأسئلة، فهل دُفن هؤلاء الأطفال في زمن متقارب نتيجة مرض أو وباء ما؟، أم تم دفنهم في مراحل زمنية مختلفة؟، وما هي الحالة الاجتماعية التي كانوا ينتمون إليها؟، ولماذا كُتب علي تلك التوابيات باللغة اليونانية؟، وهل تلك المومياوات تنتمي لجنسيات غير مصرية؟.
أكثر ما لاحظته البعثة الأثرية تلك الحالة التي وجدت عليها تلك المومياوات، فقد كان بعضها تعرض للتحلل، ما يؤكد أن تلك المومياوات لا تنتمي للعصر الفرعوني، ولكنه تم تحنيطها في عصر متأخر، أي بدايات العصر البطلمي والروماني، فقد وجدت بعض الكتابات اليونانية والديموطيقية علي أقدام بعض المومياوات، بالإضافة إلي بعض الكلمات باللغة القبطية التي وجدت علي بعض الشقافات.
طيلة أشهر طويلة عمل فريق العمل المكون من الدكتور وجدي رمضان محمد رئيس البعثة، والدكتور الطيب سيد عباس نائب رئيس البعثة، بالإضافة إلي الدكتور جمال صفوت مدير مركز البحوث والدراسات الاثريه، والدكتور احمد طالب خليل، والدكتور احمد فاروق، والدكتور احمد صلاح، أعضاء البعثة، وذلك بالتعاون مع وزاره الآثار.
Egyptian Site & magazine